خلفان الطوقي
في مفاهيمنا القديمة الراسخة أنَّ الخلافات السياسية هي التي تُفرق بين الشعوب وتزيد من خلافاتهم وتباعدهم، وتأتي الرياضة من خلال المباريات الودية أو حتى البطولات الرسمية لتلطف الأجواء بين الساسة والشعوب تمهيدًا لتكوّن القوة الناعمة لحل الخلافات السياسية والدبلوماسية بعد ذلك، وقد حصل ذلك في مُناسبات كثيرة في إقامة المباريات الودية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران أو بين كوريا الشمالية والجنوبية أو بين الصين والولايات المتحدة أو الصين واليابان، وهناك شواهد تاريخية كثيرة على استخدام الرياضة كقوة ناعمة فعَّالة تستخدم كلما تطلب الأمر ذلك.
المفرح هذه الأيام والتي من خلالها استطاعت الشاشات أن تجمع العائلات العربية والخليجية على وجه الخصوص لمتابعة بطولة كأس آسيا المقامة في دولة الإمارات العربية المتحدة خاصة وأنَّ بعض الدول العربية مشاركة فيها كمملكة البحرين والعراق وسلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المُتحدة والمملكة العربية السعودية ودولة قطر وغيرها من الدول الإسلامية، ومن باب التحيز المشروع فإنَّ كل شعب يُشجع منتخب بلاده أو يشجع من يميل إليه قلبه أو عقله، ولكن ما لبث أن تحول الفرح إلى حزن وأسى وأحقاد بين بعض الرياضيين والجماهير وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، وتلاحظ ذلك من خلال وسائل الإعلام التقليدية من تلفزيون وإذاعة وصحف، أو من وسائل التواصل الاجتماعي الحديث من خلال بعض المغردين أو من يسمون أنفسهم مشاهير أو نشطاء "السوشل ميديا"، وإطلاق بعضهم لعبارات وكلمات وجمل لا تليق أو غير مقبول أن تطلق في فترات الحروب، فكيف بمجرد مباريات كرة قدم وبطولة رياضية يفترض أنها تجمع متنافسين يعشيون في بقعة جغرافية وقارة تجمعهم هدفها التنافس الشريف فيما بينهم، وبعدها يمكن أن تتطور مجالات التعاون فيما بينهم ثقافياً واقتصادياً وسياسياً وفي باقي مناحي الحياة.
ما يستفز النفس ويزيد الحزن أحزانا أن هذه الخلافات والمناكفات وإطلاق عنان السب والتصيد وتهويل وتحوير وتصيد الكلام بشكل يخدم أهواء من يطلقه لزيادة حرارة الخلافات وتعميق الكراهية فيما بين الجماهير، المحزن هو أن تكون بين دول مجلس التعاون الخليجي الذي يفترض لتعدد الأسباب أن يكون شعباً وعائلة واحدة لتشابه عوامل الدين واللغة والعادات والتقاليد والأعراف والموقع الجغرافي واختلاط العائلات والقبائل بعضها ببعض وتشابه أنماط الحياة فيما بينهم.
استبشر الكثير من مُحبي وحدة الخليج بهذه البطولة الكروية القارية متمنين أن تجمع بين أبناء الخليج لا أن تفرقهم وتزيد من خلافاتهم، توقع الحكماء منهم أن تغلق صفحة الخلافات الخليجية الخليجية إلى غير رجعة، خاصة وأنهم شاهدوا بأم أعينهم الأخلاق الرفيعة والتسامح والاعتذار والابتسامات المتبادلة فيما بينهم التي تحلى بها لاعبو المنتخبات الخليجية في المربع الأخضر الذي كان يجمعهم بالرغم من الضغط النفسي والإعلامي والإرهاق الجسدي الذي تعرضوا إليه داخل وخارج الملعب قبل وأثناء وبعد كل مباراة.
عليه، ليكون شعار الحكماء من أهل الخليج هو أن العمق الخليجي ووحدته وتكامله وتعاونه أهم بكثير من مباراة قدم بها فائز أو خاسر، وعلى هؤلاء الحكماء توجيه الرأي العام، وألا تترك الساحة خالية لبعض المراهقين فكرياً ليتحكموا في الشاشات أو الصحف أو الإذاعات أو قنوات "السوشل ميديا" بسبب أنهم من المشاهير ويملكون قاعدة من المتابعين وإتاحة الفرصة لهم لبث رسائل مسمومة بغيضة هدفها تغيير مفاهيم راسخة وعميقة تضعف وتهزم العمق الخليجي ووحدة المصير المشترك، فالحذر من هؤلاء البسطاء الذين يعتقدون أنهم مؤثرون، فليعلم هؤلاء أنه ليس كل مشهور مؤثر، فليعلموا أن أفكارهم قابلة للجدال والنقاش العقلاني والمنطقي والمحاسبة، فليتقوا ربهم فيما يقولون، وليراعوا دينهم وأخلاقهم وتربيتهم قبل المحطات التي يعملون فيها، وليراعوا ثقة ومصداقية الناس الذين يتابعونهم، والتاريخ الذي سوف يسجل سقطاتهم التاريخية التي لن تغتفر، فليقولوا خيرًا أو ليصمتوا، وما على حكماء الخليج إلا أن يتدخلوا للتوعية، ويجعلوا من الرياضة أداة تجمعنا ولا تُفرقنا.