القمة الخليجية وحُب الخشوم

حمود بن علي الطوقي

أطل عليكم بمقالي في هذه الزاوية الأسبوعية من الرياض وسأركز هذا المقال عن القمة الخليجية، ورغم ما قيل ويقال عن هذه القمة التي اختتمت أعمالها في العاصمة الرياض برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلا أنّ كل المعطيات تؤكد أنّ هناك إصرارا وتوافقا على المحافظة على هذا الكيان من الانشقاق، هناك قناعات مشتركة بأهمية الاستمرار في التنسيق بين الدول الأعضاء بهدف توثيق الروابط التي هي في الأساس موجودة قبل وبعد تأسيس هذا المجلس في مايو من عام ١٩٨١.

أقول هذا الكلام وأنا أراقب بعين الصحفي أولا وبعاطفة المواطن الخليجي ثانيا، فقد وجدت هذه الحميمية بين أصحاب الجلالة والسمو والوفود المشاركة في أعمال هذه القمة، عندما يلتقون حيث تزداد جرعة الحميمية في حُب الخشوم وتبادل العناق، وهذه بحد ذاتها إشارة إلى الإصرار على تجاوز أيّة عقبات تؤثر على البيت الخليجي الكبير.

صحيح أنّ هناك خلافات وخلافات كبيرة بين ثلاث دول خليجية ودولة قطر، ومازالت هذه الخلافات مستمرة على الرغم من الجهود التي تبذل لاحتواء هذه المشاكل، إلا أنّ هناك بوادر تلوح في الأفق لانفراج الأزمة في الأشهر القادمة.

دولة قطر ما زالت حاضرة وتشارك في كل اللجان الخليجية المشتركة رغم مقاطعتها، وهذا دليل أنّ هناك رغبات مشتركة بين الدول الأعضاء في الجلوس على طاولة المفاوضات لمناقشة هذه المشاكل وغيرها بهدوء وبقناعة مشتركة وباحترام وجهات النظر وعدم الارتكاز على لغة العناد وفرض العضلات.

أصحاب الجلالة والسمو يتجمعون ويلتقون وتعقد اجتماعات داخلية وتشب فيما بينهم اختلافات في الرأي أثناء المناقشات، وكل ذلك من أجل المصلحة العامة لدفع عجلة المسيرة الخليجية لتمضي بعناية الرحمن إلى بر الأمان.

ما ننشده نحن كشعوب خليجية مطالب مشروعة تتمثل في عدم إقحامنا في مشاكل لسنا طرفا فيها، بل نطالبكم أن تمدوا جسور التواصل والمحبة والألفة فكما هو معروف أنّ النظام الأساسي الذي أقرّه المؤسسون لهذا الكيان هو تحقيق التكامل والترابط بين دول الأعضاء في مختلف الميادين وتعميق وتوثيق الروابط والحفاظ على قوة التماسك ووحدة الصف، فيربط أبناء الخليج التاريخ والمصير المشترك وأكثر من ذلك الأخوة ووشائج القربى.

أجزم أن صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة الذي قاد بدبلوماسيته المشهودة مبادرة المصالحة بين الأشقاء في البيت الخليجي الواحد فور نشوب الخلافات استشعر تفاقم المشكلة ودعا في كلمته المتميزة خلال افتتاح أعمال القمة الخليجية الـ39 إلى وقف الحملات الإعلاميّة في الخليج انطلاقا من حرص الجميع الحفاظ على وحدة الصف وسعيًا لتدارك الأمر واحتواء الخلافات وتجنبا لمصير مجهول لمستقبل العمل الخليجي.

هذه الدعوة الأبوية من أمير القلوب وجدت تأكيدًا مباشرًا وعبر صاحب السمو السيّد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء في كلمته تأييد السلطنة لدعوة سمو أمير الكويت لإيقاف الحملات الإعلامية لاحتواء الخلافات وقال: "إنّ كلمة سموه معبرة وكلمة يُقتدى بها في العمل بالمجلس وتمنى سموه أن تُجسَّد هذه المعاني إلى واقع ملموس".

وعلى الجانب الآخر لاقت كلمة أمير الكويت صدى واسعا من قبل الجميع، وتصدّرت عناوين الصحف ومنصّات التواصل ووجدت هذه الدعوة مساحة واسعة من قبل الكتاب والمحللين والمغردين للنقاش وإطلاق صفارات الإنذار على خطر الآلة الإعلامية خاصة في ظل انتشار الجيوش الإلكترونية.

الجيوش الإلكترونية وكما هو معروف عنها عبارة عن مجموعات مدربة تعمل وفق أجندة خاصة هدفها اختراق مواقع الخصوم، والترويج لوجهة نظر معينة عبر مختلف منصّات الإنترنت، وإسكات وتشويه سمعة المناوئين، إلى جانب ترويج الإشاعات والأكاذيب وخلق البلبلة، الأمر الذي أدى إلى توجه الدول في إنشاء وحدات إلكترونية داخل أجهزتها العسكرية والأمنية لحماية أمنها القومي.

التقيت وتحدثت خلال تغطيتي الصحفية لأعمال هذه القمة مع عدد من الدبلوماسيين وصناع القرار في دول المجلس، ولمست منهم أنّ هناك قناعة مشتركة للعمل على تجاوز هذه الأزمة معتبرين أن دولة قطر جزء لا يتجزأ من المنظومة الخليجية وأنّ الخليج نبض واحد، ولعلّ الكثيرين متفائلون باحتضان سلطنة عمان لملف القمة الـ39 والآمال معقودة على الجهود والدبلوماسية العمانية التي تتحرك وتعمل بصمت وتنجز في هدوء، ونأمل خلال هذا العام احتواء وتضييق الفجوة بين هذه المشاكل، وصولا إلى عودة دولة قطر الشقيقة إلى الحضن الخليجي الدافئ.

نوجه الدعوة إلى الأشقاء المغردين من أبناء دول المجلس لتبني مبادرة أمير دولة الكويت بإيقاف الحملات الإعلامية الشرسة وتقبل الرأي والرأي الآخر وتخفيف لغة الهجوم. وعدم الخوض والمساس في شؤون القادة والعمل على تشجيع التواصل بين أبناء الخليج، كما أن آمال الشعوب الخليجية بأن يُرفع الحصار عن الشقيقة دولة قطر وتعود العلاقات بين الشعوب كما كانت، وتناقش الأزمة بين أصحاب الشأن في غرف مغلقة بعيدا عن إقحام المواطن الذي يحتاج خلال هذه المرحلة إلى دفعه نحو التضامن والتلاحم.