التنمية المستدامة ومسألة النزاهة!

 

عبد الله العليان

تابعت عن قرب الأسبوع المنصرم مؤتمر "دور الحكومات في تحقيق التنمية المستدامة 2030"، والذي نظمته المنظمة العربية للتنمية الإدارية، بالتعاون مع وزارة الخدمة المدنية، وشهد حضوراً كبيراً ولافتاً، من حيث المشاركة العربية والدولية، إلى جانب المشاركة العمانية القوية تنظيما وإدارة لهذا المؤتمر.

ولفت نظري في هذا المؤتمر، تركيز العديد من مُقدمي الأوراق، على أمرين أساسيين ومهمين في نجاح التنمية المرجوة في بلادنا العربية، منهما قضية مكافحة الفساد وإعطاء النزاهة الأولوية في الخطط وبرامج التنمية، وإتاحة المجال للمجتمع المدني للقيام بدوره الاجتماعي والفكري، والحقيقة أنَّ وطننا العربي تراجع كثيراً عن المكانة الذي ينبغي أن يكون فيها، من حيث القدرات والإمكانيات الكبيرة التي يملكها، إلى جانب الموقع المؤثر الإستراتيجي، باعتباره في قلب العالم بثرواته الطبيعية المتعددة، فهل قضية الفساد وغياب النزاهة، هما الأكثر تأثيراً على تأخرنا وتراجعنا السياسي والاقتصادي؟ أم أنَّ هناك مسببات أخرى لغياب التنمية المستدامة التي تحققت في دول أخرى، كانت في مستوانا منذ عدة عقود، وأصبح يشار إليها كدول تتنافس مع الدول التي سبقت الجميع في التنمية الكبيرة اقتصاديا وصناعيا وتنموياً، وغيرها من أوجه التقدم العلمي والتكنولوجي، والحقيقة أنَّ مسألة الفساد تعد من أكبر التأثيرات السلبية على التنمية على مستوى العالم، والدول التي أشرنا إليها، أول الاستحقاقات التي جعلتها تتقدم دون إعاقات، كانت استئصال معوقات الفساد وتأثيراته من الأولويات، بحيث تم حصاره بالصرامة القانونية، ومن خلال المجالس النيابية التي تحاسب المفسدين، وإيقاع العقاب على مرتكبيه.

 فالنزاهة تعد رافداً من روافد حركة التنمية التي تتحرك في المسار الصحيح، دون أن تتعرض للإخفاقات، من خلال الخطط التي تمتلك الأدوات التي تقف حائلا دون أن يكون مؤثرا في هذه البرامج والمشروعات، وهذا هو الفساد الخبيث الذي يضع القناع على تصرفاته غير النزيهة، ليضع العراقيل والمثبطات من خلال موقع المسؤول الذي يملك السلطة، واستغلال نفوذه، لينتفع ويتجاوز القوانين واللوائح، ليحول دون تحرك عجلة التنمية المستدامة بالصورة التي خطط لها، وهذا هو العائق الأهم الذي أشار إليه بعض المتحدثين في (مؤتمر دور الحكومات في تحقيق التنمية المستدامة)، وهذا الفساد بلا شك يساهم في تدمير المصالح الوطنية، ولو بالإعاقة عن المضي في التنمية، ويساهم في هز ثقة الناس في دولهم، بحيث يجعل الشكوك تحوم، حتى حول الأعمال النزيهة التي لا تشوبها شابهة، والسبب يرجع للفساد الذي إن ظهرت ملامحه وتحركت أدواته، تبدأ السلبيات بالبروز في الكثير من الخطط والبرامج والمشروعات.

والفساد كما هو معروف متعدد الطرق والوسائل، وليس له صفة واحدة ثابتة في تحركاته وأساليبه الخفية، لكن أخطره ما يسمى الفساد الكبير الذي يعشعش على مستويات أكبر، ويهدف للحصول على المنافع الضخمة، من خلال الممارسات الاستغلالية غير النزيهة في الاقتصاد أو التجارة، أو المناقصات المالية أو غيرها من الوسائل، وكلها تستهدف الحصول على المنافع الخاصة. صحيح أن التشريعات العربية في مكافحة الفساد موجودة في النظم السياسية، لكن الإشكالية في ضبط آلياته وطرقه وممارساته، وهذا هو الأهم لاقتلاع جذوره، وخصوصاً من خلال القوانين الرادعة، التي تكون عبرة لأصحاب النفوس التي تقبل بهذه الممارسات، ولذلك فإن " للفساد ـ كما يقول د. مصطفى خواجا ـ آثاراً سلبية في التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي القيم الأخلاقية في المجتمعات.

وأصبح بديهياً أن يتم ربط انتشار الفساد بتراجع التنمية في المجتمعات، واعتباره واحداً من الأسباب التي تحول دون التقدم نحو تنمية إنسانية أفضل، بالإضافة إلى مساهمته في توسيع الفجوة الاقتصادية بين طبقات المجتمع وزيادة نسبة الفقراء، فلا تقتصر آثار استشراء الفساد السلبية على المبالغ المالية المستنزفة من موارد الدولة إنما تتعداه إلى ترهل النظام الإداري وتعطيل المرافق الاقتصادية وشلل النظام السياسي، وسوء تقديم الخدمات، وذلك بدوره يؤدي إلى وقف عجلة التنمية وتخلفها، فضلاً عن تهديد المصالح الوطنية للدولة وأمن الإنسان بمختلف أبعاده".

وهذه من تعديات الفساد وأسبابه التي لاشك لها الدور الأهم في تراجع وجمود التنمية المستدامة المنشودة، في الوطن العربي، صحيح ألا أحد يسرق من خزينة المال العام أو الخاص، فهذه من المصاعب الكبيرة لدى النفوس الفاسدة، لكن الطرق في هذا المضمار كثيرة ومتعددة، ومن استغلال النفوذ في الحصول على المنافع الخاصة بطرق ملتوية غير قانونية، وهو الذي تعانيه العديد من البلدان العربية، ولذلك من المهم أن تقوم الجهات الرقابية إلزام المؤسسات الإدارية والمالية بأن تكون الخطط والبرامج والمشروعات بمنتهى الشفافية والوضوح والمراقبة البرلمانية، للحد من غياب النزاهة واستشراء الفساد، ليتحقق الوضوح في كل المهام التي يتم وضعها موضع التنفيذ، وما نتمناه أن تأخذ قضية النزاهة ومكافحة الفساد الأولوية في وقف هذا النزيف الخطير لموارد الأمة ومقدراتها.