هل الإدارة مهنة؟

 

علي العبيد

 خبير تدريب

 

إذا تناولنا بعمق أبعاد العمليات الإدارية والأنشطة الرديفة لها في أية مؤسسة عامة أو خاصة لوجدنا أن الإدارة كونها حراكا إنسانيا   فهي حقيقة لا مناص منها لبلوغ الأهداف والطموحات الفرديه أو الجماعية؛ الأمر الذي يعزز مقولة إنّ الإدارة في حد ذاتها مهنة تتسم بضوابط ومعايير علمية على غرار العديد من المهن الإنسانية الأخرى.

وفي هذا المنحى نميل في القول بأنّ الإدارة تسري سريان الدم في جسم الإنسان وكما هو معلوم فإنّ جسم الإنسان يتشكل من أعضاء وظيفية يتولى الدم دور مؤثر فيها لتؤدي مهامها الوظيفية بصورة متكاملة ملؤها التجانس الفاعل.

لذلك في رأينا أنّ (الإدارة العلمية) الحديثة مهنة لابد أن يقوم بها المختصون والمؤهلون علميا بصرف النظر عن تخصصاتهم الفنية الأخرى بمعنى أنّ مدير المستشفى على سبيل المثال ليس بالضرورة أن يكون طبيبا ومدير القطاع الزراعي ليس بالضرورة أن يكون زراعيا ومدير المقاولات كذلك ليس بالضرورة أن يكون مهندسا لأنّ المدير الناجح يضطلع بأمور التخطيط والتنظيم والتوجية والرقابة في المقام الأول وهي عناصر الإدارة الحديثة لأي مشروع؛ مهما كانت طبيعته الفنية. ومن ضمن تعاريف الإدارة تنفيذ الأعمال من خلال الآخرين الذين يتوجب الاستعانة بهم كل في مجال اختصاصه وخبراته الفنية وقد تتعدد هذه الخبرات والتخصصات الفنية ضمن مشروع واحد وهنا يبرز دور المدير الناجح في تنسيق كافة الجهود الفنية في بوتقة مشتركة واحدة بما يمهد الأرضية المناسبة لاتخاذ القرارات الإدارية الصائبة دون تضارب أو تداخل بين المرئيات الفنية.

لذلك كان من المحتم على الإداري الاستعانة بالفنيين أو المختصين في موضوع ما لإبداء وجهات نظرهم التخصصية وتقييم المردود الفعلي وأثره على المخرجات أو الخدمات التي تسعي المؤسسة المعنية إلى تحقيقها ضمن الخطة الكلية لها.

أما إذا تركت الأمور برمتها للفني أو المختص فإنّ طبيعة تخصصه سوف تغلب على أسلوب تفكيره في اتخاذ القرار الإداري مما يلقي بظلال سالبة على الخطط الرئيسية للمؤسسة والتي تحمل ضمن تفاصيلها جوانب فنية متعددة وجوانب ذات أبعاد وقيم اجتماعية قد تكون بعيدة عن مرئيات الفنيين التقنية.

ولكن أحيانا قد يحتم الواقع المعاش تكليف أحد الفنيين بتصريف الأنشطة الإدارية وفي مثل هذه الحالات يجب أن يتم تأهيل هذا الشخص في علوم الإدارة للإلمام التام بأساسيات ومبادئ الإدارة الحديثة بما يساعده بلا أدنى شك في اتخاذ القرارات الإدارية السليمة.

ومما هو جدير بالملاحظة أنّ مهنة الإدارة تتطلب ثلاث مهارات (فنية وفكرية وإنسانية) وهذه المهارات تتمازج وتتلاقح حسب المستوي الإداري القائم بمعنى أنّه كلما ارتفع المستوى الإداري تزيد الحاجة إلى المهارات الفكرية وتقل بالتالي الحاجة إلى المهارات الفنية والعكس صحيح كلّما تدنى المستوى الإداري زادت الحاجة إلى المهارات الفنية (اليدوية) وقلت الحاجة إلى المهارات الفكرية.

أمّا المهارات الإنسانية فتظل القاسم المشترك بين كافة المستويات الإدارية لأن تنفيذ الأعمال يحتاج إلى مهارات التعامل مع الآخرين في المستويات العليا أو الدنيا من الاعمال الإدارية أو الفنية بلا تمييز.

ولايفوتني في هذا العرض الموجز أن أشير إلى أن مسيرة الإدارة لاتتوقف طالما أن هناك عملا تحت التنفيذ أو يخطط له لبدء التنفيذ. وتعتبر العمليات الإدارية نشاطا دائريا متداخلا من الصعوبة تحديد نقطة بداية أو نهاية بعينها إلا بعد اكتمال العمل كليا أو التوقف عن التنفيذ لأي سبب من الأسباب.

تعليق عبر الفيس بوك