إبراهيم الهادي
رغم أنّ الشمس ألقت بضوئها المشع على بقعة المكان، إلا أنّ تلك الخطوط لم تكن كافية وحدها لتصرف سوءاً محتوما على الأرض والمكان، كلاب ضالة.. لم يُخِفْها وضح النهار المكشوف ولا لعنات أهل المدينة ولا حتى غضبهم، لا تأبه بضجيج المارة وأصوات المطارق المحيطة، المشهد لا يعدو أن يكون كابوساً مر على قرية الرفاع بالعذيبة بمحافظة مسقط، عند الثانية عشرة ظهرا والشمس تلفح حرارتها في كبد السماء كان للأطفال الصغار بداية تشرق فيها متعتهم في اللعب بالرمال الناعمة، أطفال لا يهتمون لدرجة حرارة مرتفعة أو منخفضة وهي فطرتهم الطبيعية، إلا أنّ هذه المتعة سرعان ما تحولت إلى رعب غير متوقع، فتحولت ساحتهم فجأة.. إلى غابة تحيط بها الكلاب المفترسة، وفرّ من فر منهم إلا الطفل يعقوب ذو العامين وأربعة أشهر لم تسعفه نعومة جسده الطري على الهرب فتناوشته الأشباح المتمثلة على هيئة كلاب ضالة فانقضت عليه بوحشية قاسية وسّدته الأرض التي لو كان لها صوت لصرخت لا تعي أنّه طفل صغير يصرخ بصوته الحزين، وحتى بعد أنينه وهو يتألم، حاصرته وجعلته حبيس أنيابها ومخالبها وهو يصرخ مستغيثا بنبرات مُتحشرجة فالتهمت منه فروة رأسه وشفتيه ولاذت خرابًا في بطنه، جسد ناعم تهمش قسراً عن إرادته ولولا عناية الله ولطفه ثمّ استغاثة أخته فاطمة ذات الأربعة سنوات بأمها التي هرعت دون وجهة تنتشل ما تبقى من صغيرها يعقوب لتخرجه وهي مذعورة من بين أنياب ومخالب الكلاب بقلبها المفطور، ترى أين نحن؟ لم تكن هذه الأرض غابة لتستأنسها الحيوانات المفترسة مستقرا وتهتدي لها هدى الذي كان مشرداً فآوى، فتمزق الأفئدة وتنشر الجراح.. الواقعة هي وليدة العهد هذه الأيام، وقد تجاوزت المألوف لغير المعقول والمتقبل، جريمة وحشية همجية غادرها السلام، فمن يمتلك كلبا قادرا على افتراس إنسان، يملك أداة وحشية يقتل بها من أراد، كلب وفيّ إلى وحش مفترس هو إذاً - أداة قتل، ناقوس الخطر آن وقت قرعه بحثا عن جذور القضية، واضعين تساؤلاتنا نصب أعيننا، من المسؤول عن هذه الحادثة، وهل هناك جهة تبنّت البحث والتفتيش عن الكلاب؟ وهل تمّ استدعاء ملاكها في تلك المنطقة وما جاورها لفحصهنّ؟ وهل ستنطوي حكايتها مع الطفل يعقوب ويأمن السكان منها؟ أم أنّها بداية لا أجل لها من قوقعة إلى أخرى يعزز سربها الذئاب والحيوانات المفترسة الأخرى؟
أعود وأقول ما قصة الكلاب الضالة هذه؟ هل هي هجين لكلاب مسعورة يمتلكها بعضهم دون فحص أو رقابة؟ أم أنّها نتيجة تلاقحها مع كلاب مفترسة ضائعة من هنا وهناك؟ أم أنّ للمجتمع كلمة في ذلك؟ هذه الحادثة جعلتني استذكر حديثا مضى عليه زمن طويل لزميلة هولندية عن المناطق التي يمتلك أصحابها الكلاب في مسقط وقد أثار استغرابها عدم وضع شروط وأحكام وتنظيم لها، تتسيب كما لو أنّ الزنازين فتحت عليها فعاثت في الأرض خرابا وتقول لي بامتعاض إنّ الكلاب لديكم سائبة وهي تلقي بقاذوراتها في الطرقات والسكك دون حسيب أو رقيب، أرى حرية مطلقة للكلاب لديكم.. جاملتها باتفاقي مع رأيها ومحاولا في الوقت نفسه تبرير هذا الوضع بانّه ليس بذلك الوصف الذي تقول، ملاحظتها كما بدت كانت تنذر بتطور لا محمود، عند أول وهلة سمعت فيها خبر الحادثة لم أصدق، لو لا زيارتي له في العناية المركزة بمستشفى خولة والتقائي بوالده إسحاق الذي وفىّ سرد تفاصيل واقعة الألم، عندما وقفت مع الطفل عن قرب لاحظت علامات الخوف لا زالت على وجه وقد أحاطت به أسرة المرضى، ما يستدعي أن يوضع في غرفة خاصة منعزلة بعيدة عن الضوضاء ومغلفة بالهدوء المطلوب تليق بإخراج طفل من مشهد مخيف يتماثل أمامه بين الحين والآخر قبل إخراجه من آلامه الجسدية، فألم الخوف أقوى لكنه لا يستطيع الوصف، وأصوات المرضى التي يسمعها من حوله قد تذكره بذلك الكابوس، وإن كان هناك ما يستدعي تسفيره إلى الخارج فنحن موقنون أنّ الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة الصحة لا تألو جهدا في ذلك، فالطفل يعقوب يستحق عناية خاصة لهول ما حدث له، فالرحمة الرحمة والرأفة الرأفة، وأخيرًا فإنّ بلدية مسقط إذا كانت هي المعنية أو أي جهة أخرى منوطة بها مسؤولية الكلاب باتخاذ إجراء فعلي على أرض الواقع ورفع درجة المسؤولية بما يليق بالبحث عن الكلاب الضالة وعمل تحقيق متكامل في الموضوع مع محاسبة أصحاب الكلاب المتسببة في الاعتبار، فمداهمة ملاك الكلاب نراه واجبا طالما أصبحت –الكلاب مشبوهة في ألفتها - وتهدد حياة بني الإنسان بالموت، وإذا كانت سائبة لا ملاك لها فلتصدّر إلى غاباتها التي تألفها، فنحن في دولة الأمان والسلام.