الاتساق والانسجام في وصايا قيد الأرض للشاعر العماني سعيد الصقلاوي (3-4)


 

د. انشراح سعدي – الجزائر - أستاذة محاضرة /جامعة الجزائر(2)

الوصل العكسي: يصف الخطاب  في هذا النمط  موصوفا واحدا  بصورتين مختلفتين  في تراكيب الإثبات وتراكيب النّفي ، إذ جاء في فاتحة النّص الشعري الموسوم خطى قول الشاعر:
بقلب الليل يشتعل
ورغم الجذب ينهطل
يوزع أنس بهجته
ولكن روحه الوجل
بدأ الشاعر بوصف مثبت سلبي وهو الجذب الذي سبقته أداة الوصل العكسي /رغم/عكس الوصف المذكور/ ينهطل /وهو دلالة على المطر.
وفي البيت الثاني يوزع أنس بهجته وصف مثبت إيجابي أداة الوصل العكسي /لكن/ عكس الوصف المذكور /روحه الوجل.
تضيف أدوات الوصل للنّص قيمة جمالية وذلك من خلالاتساقه وبنائه المتماسك، كما  تؤثر في المتلقي الذي لا يتوقع ما بعد الوصل من رؤى مخالفة لما قبل أداة الوصل العكسي.
-الوصل السببي: هو وصل يمكنّنا من إدراك العلاقات المنطقية  بين جملتين أو أكثر ، وهو عند دي بوجراند يفيد التفريغ، حيث توضح العلاقة بين صورتين من صور المعلومات المتمثلة في التدرج، أي أن تحقق إحداهما يتوقف على حدوث الأخرى " .
 ويظهر هذا النوع من الوصل في نصّه الشعري الموسوم أدن مني:
أدنو منك كي
تسمع نبضي
فادنُ مني كي
أسمع نبضك
واجمع بعضي
في كفيك أجمع في
كفي بعضي
واجعلني عينيك  لكي لا
أبصر إلا نفسك
وردت أداة النصب كي ثلاث مرات في النّص وهي تفيد  التعليل والمقابلة، فالشاعر يقابل بين جملتين تتوسطهماأداة الربط ، لا يمكن للآخر أن يسمع نبض الشاعر إلا إذا دنا هذا الأخير منه كما يظهر في الشّطر الأول والشّطر الثاني في مقابلة عكسيّة فسبب سماع النبض هو الاقتراب، ولن تكتمل الصورة إلا بتدرج الفعل في مرحلتي الدنو والاستماع، فقد قام باستعمال كي لوصل الجملتين (الشطرين) في  بداية المتتالية ووصل الشطرين في آخر القصيدة.
-الوصل الزمني: يجسد هذا الوصل علاقة بين أطروحتي  جملتين متتابعتين زمنيا ويظهر هذا النوع من الوصل في العديد من النّصوص الشعرية نقف فيها على نصه المتضخم
تضخم منتفخا بالخواء
و أتفن صنع مرايا الرياء
ولما أجاد الوقوف كراء
أقاموه رأسا بلا كبرياء
فحق عليه وعيد السماء     
1-5 الاتساق المعجمي: قسم هاليداي ورقية حسن الاتساق المعجمي إلى قسمين:
1- التكرير: هو شكل من أشكال الاتساق المعجمي يتطلب إعادة عنصر معجمي، أو ورود مرادف له أو شبه مرادف أو عنصرا مطلقا أو اسما عاماويقصد  هاليداي ورقية حسن بالاسم العام مجموعة من الأسماء لها إحالة معمّمة مثل :اسم الإنسان، اسم المكان ،اسم الواقع و ما شابهها(الناس، الشخص، الرجل، المرأة ،الطفل، الولد، البنت...)، والتكرار أنواع:
*التكرار الكلي: وهو التكرار مع وحدة المرجع (أي يكون المسمى واحدا)، أو التكرار مع اختلاف المرجع ( المسمى متعدد).
 
*التكرار الجزئي: ويقصد به  تكرار عنصر سبق استخدامه ولكن في أشكال وفئات مختلفة.
*المرادف
*شبه التكرار وحسب سعد مصلوح يقوم في جوهره على التوهم ،إذ تفتقد  العناصر فيه علاقة التكرار المحض ويتحقق شبه التكرار غالبا  في مستوى الشكل الصوتي الأقرب إلي الجناس التام.
*تكرار الجملة: ونموذج التكرار مع وحدة المرجع  قول سعيد الصقلاوي في وصايا قيد الأرض في قصيدته باب الليل
مشعشع
       خلف باب الليل يعتصم
هذا الذي
       في هواه تلهث الأمم
هذا الذي
      باسمه
     تغتال أمنية
تكرّرت شبه الجملة (وباسمه) أربع مرات بدلالة واحدة هي إشارة لهذا المشعشع  المعتصم خلف الباب ،وورد تكرار الجملة في قصيدته رجولة الكلام  ثلاث مرات لجملة (فاجأني غناؤك)، والقارئ للقصيدة  يكتشف أن هذا التكرار يكثف الدلالة ويطبع النّص الشعري ببصمة تميّزه عن النّصوص الأخرى، وتصبح هذه الجملة المكررة مكمّلة لدور الروابط في النّص الشعري. والأمثلة على هذا التكرار عديدة ومتنوعة إذ جاء تكرا جملة سلمت وتسلم عشر مرات في نص: سلمت وتسلم
لك النصر آية
   لك الأرض غاية
لك العز مغنم
سلمت وتسلم
فعبارة سلمت وتسلم لازمة تكررت في القصيدة عشر مرات رغم قصر القصيدة، هذا النمط من التكرار له حضور كبير في القصيدة الصقلاوية وأشرنا إلى (فاجأني غناؤك) في قصيدته رجولة الكلام ونشير أيضاإلى ( يا موطني). في قصيدة مشرق الزمان.
إن تأثير تكرار اللازمة في القارئ يعد نجاحا للشاعر الذي تمكّن من إحداث تغيير في بنية المكرر بتوليد دلالات جديدة تجعل نبض القصيدة متواصلا يرسم الصورة الشعرية بإتقان.
كما تكررت اللازمة في بعض النّصوص تكررت الكلمة وعلى سبيل المثال  كلمة سلام في قصيدة  سلام على الرافدين ، المكرّرة  عشر مرات في النص، على مسافات متساوية تقريبا في النص الشعري والتي سنستشهد بمقطع واحد منها:
...
سلام " المهلب" للأهل في بصرة الكبرياء
ترفرف رايته بسناء الإله على مطلع الشمس في
خرسان
وتعصب بالنور هامات شم الجبال
تزهر فوق وهاد الشمال
سلام الخليل على الدوؤلي
ينضد بالنحو زهر البيان
هذا التكرار خدمة للنص وإغناء لتعابيره وربط بين مضامينه، ولفت للقارئ لأهميته واهتمام صاحبه به، فهذه السيطرة سيطرة على الدفقات الشعورية التي حكمت إنتاج النص ،خصوصا وأنه نص  مملوء بالإشارات التاريخية التي تدعو القارئ بشكل ضمني للوقوف على عظمة هذه الحضارة، إذا فالتكرار في القصيدة الصقلاوية لا يتم بطريقة عشوائية  بل هو دفق إبداعي يسهم في بناء القصيدة "وثيق الارتباط بالمعنى العام، وإلا كان لفظة متكلفة لا سبيل إلى قبولها ،كما لابد أن يخضع لكل ما يخضع له الشعر عموما من قواعد ذوقية وجمالية وبنائية".
استدعى الصقلاوي  في هذه القصيدة المهلب بن أبي صفرة  وأبو الأسود الدوؤلي والخليل بن أحمد الفراهيدي، وسيبويه وابن زيد الأزدي وابن دريد وأحمد بن سعيد البوسعيدي إمام عمان الذي فك حصار البصرة من قبل الفرس الصفويين، فجاءت اللازمة على شكل كلمة سلام على كل هؤلاء وعلى المدائن ،وعلى المهنئين باسترداد مسقط من يد البرتغاليين عام 1650، هذه الاستدعاءات الماضية في قصيدة معاصرة لم تأت هكذا بل هي تذكير لأمجاد فكرية وعلمية ساهمت في رفع مكانة العرب والمسلمين في عدة مجالات، هذه اللازمة في شكل كلمة والمكتوبة بخط مغاير لخط القصيدة المتبقية دعوة ضمنية  من الشاعر إلى وجوب الاعتراف بهذه الأمجاد ووجوب تذكّرها  لتكون دفعا لحاضرنا ومستقبلنا.

 

تعليق عبر الفيس بوك