ومضات فكرية من كتابات حاتم الطائي (24)


وما أدراك ما الحرب؟
(1)     لا حربا نجحت في تنمية أي بلد، ولا صراعا انتهى بمكاسب مطلقة لطرف وخسائر فادحة لطرف ثانٍ؛ بل إن الواقع يقدم صورة مخالفة لما قد يظنه البعض "أمرا مسلّما به".

(2)     العالم بأسره يقف على أطراف قدميه يترقب بأعين شاخصة المواجهة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وعواقب الصراع التجاري القائم بين أعتى اقتصادين على كوكبنا.


(3)     الحرب التجارية بين أمريكا والصين تنذر بزلزال محتمل في التجارة العالمية، مما يهدد بتفاقم الوضع الاقتصادي الدولي الراهن بصورة أشد سوءا مما واجهته إبان الأزمة المالية العالمية قبل عقد من الزمان (2008)، مرورا بالانكماش الاقتصادي وارتفاع عجوزات موازنات الدول المعتمدة على النفط بعد انهيار سوق الخام الأسود في 2014، وعدم تعافيه بالكامل حتى الآن.

(4)     لجأت إدارة الرئيس ترامب إلى محاولة استنزاف التنين الصيني، من خلال فرض رسوم جمركية تقدر بنحو 50 مليار دولار، وقد تصل إلى 3 أضعاف ذلك الرقم حال محاولة الصين الرد برسوم على الواردات الأمريكية إليها.


(5)     أولى الهزات الزلزالية للحرب التجارية بين أمريكا والصين تتمثل في خلخلة نظام التجارة العالمية، وهو ما يعني أننا مقبلون على تغيير جذري وثورة هدامة للنظام الاقتصادي القائم حاليا على القاعدة الراسخة بحرية حركة التجارة مع أقل ضرائب جمركية، على الأقل بين الدول المنضوية تحت مظلة اتفاقية التجارة الحرة.

(6)     ثمة تناحر جمركي شديد يستعر الآن بين بكين وواشنطن، أوقد شرارته الأولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فيما جاءت ردة الفعل الصيني من أجل محاولة تفادي النيران الأمريكية على صادراتها
توقّعات الصراع الصيني الأمريكي:
(1)     الحديث اليوم لم يعد مُتمحورا حول كيفية تفادي الحرب التجارية، أو الحد من تبعاتها علينا، لأن – بظني - أن الصين قادرة على خوض هذه الحرب والتعاطي معها، وفي المقابل نتحدث عن كيفية الاستفادة من الخطط الصينية لبناء شراكات تنموية.

(2)     الصين اليوم باتت عملاقا في سوق التقنية، تنافس مصانعها تلك التي تقع في وادي السيليكون الأمريكي، وتسعى للتفوق أيضا في ساحات الذكاء الاصطناعي، وتنافس اليابان المتفوقة بقوة في هذا المجال. الصين لم تكتفِ بذلك وحسب، بل إن شركات صينية على درجة مماثلة لكبريات الشركات الأمريكية، فبايدو أمام جوجل، وعلي بابا في مواجهة أمازون، ووي تشات قضت على واتساب في الصين، فضلا عن مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى التي حلت محل مواقع عالمية؛ مثل: فيسبوك، وتويتر، وإنستجرام...وغيرها.

(3)     يبدو أن النموذج الرأسمالي الحالي لن يكون صاحب اليد الطولى فيه، بل ستفرض الصين قواعد أخرى، والفائز هو من يستطيع الاستفادة من الإرادة الصينية في بناء نموذج اقتصادي عالمي قائم على المصالح المشتركة والنمو المستند على معدلات الإنتاج لا النمو الناجم عن زيادة مبيعات السلاح وإشعال التوترات والحروب في العالم.
السلام بالتنمية في مواجهة الحرب:
(1)     الصين، في هذه الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، نجحت في ترسيخ نموذج البناء التنموي في مقابل الهدم المتعمد المتمثل في نشر الحروب لضمان ازدهار صناعة السلاح.

(2)     وضعت الصين أولى دفاعاتها في الحرب التجارية مع أمريكا مبدأ الشراكة والتنمية وتدا راسخا في علاقاتها مع الدول، وفي المقدمة الدول النامية، التي عانت وتعاني من الهيمنة الأمريكية -والغربية بصفة عامة- على المنظمات الدولية؛ مثل: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي.


(3)     التنمية التي تطمح إليها الصين، تستند إلى مبادرة "الحزام والطريق"، والتي تحتضن في داخلها العديد من دول آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، وصولا إلى إفريقيا، وتسعى بكين من خلالها إلى تقليص الهيمنة الغربية على خطط التنمية في هذه الدول، والتي غالبا ما تكون مرتبطة بأهداف سياسية، لتكون التنمية في هذه المبادرة معتمدة على الشراكة وتبادل المنفعة من أجل الشعوب.

كيف تستفيد عمان؟
(1)     الفرصة الآن مواتية في ظل احتفال السلطنة والصين بذكرى مرور 4 عقود على انطلاق العلاقات الدبلوماسية البينية، وتوظيف هذه الفرصة التاريخية من أجل العبور للمستقبل على أرضية صلبة نستطيع أن نثبت أقدامنا عليها، وننطلق من خلالها نحو عصر اقتصادي جديد.

(2)     لا ينبغي الاكتفاء باستقطاب الاستثمارات الصينية إلى بلادنا في صورة مليارات خضراء، لكن أن تتحول هذه الشراكة القائمة على التنمية، إلى واقع عملي يتمثل في نقل التكنولوجيا الصينية إلى عُمان، وتدريب وتأهيل شبابنا على الإنتاج القائم على اقتصاد المعرفة.


(3)     نجاح منتدى التعاون الصيني العربي بالإعلان عن الاتفاق لتأسيس شراكة إستراتيجية كاملة بين الصين والدول العربية، وهي منظومة متكاملة من التعاون تقوم على الاستثمار المباشر في مشاريع تنموية وقطاعات حيوية، وترمي كذلك إلى حلحلة قضايا إقليمية لضمان عدم تعرض هذه التنمية لتهديدات من جانب قوى إقليمية أو تحركات عسكرية تقضي على هذه المشاريع العملاقة المنتظرة.

(4)     إن عُمان قادرة على الإسهام بقوة لإنجاح مبادرة (طريق الحرير) - الحزام والطريق -، بفضل ما تتمتع به من موقع إستراتيجي بالغ الأهمية، في القلب من خط سير هذه المبادرة، التي تنطلق من الصين شرقا وتمر بالشرق الأدنى لتصل إلى أوروبا وإفريقيا، وهما أكبر سوقين في العالم، من حيث عدد السكان والتنوع الاقتصادي. إضافة إلى ما تتميز به عُمان من استقرار سياسي وأمني من شأنه أن يضمن النجاح لأي استثمار، سواء قادم من خارج الحدود، أو منطلق من داخلها.

(5)     اليوم تقف مدينة الدقم بشموخ عُماني لتعلن عن نفسها مدينة اقتصادية متكاملة الخدمات، وبالمقابل يأتي التنين الصيني بثقله وبإيمان لا يتزعزع بأن هذه المدينة بوابة اقتصادية كبيرة، فيضخ أكثر من 10 مليارات دولار استثمارات كبداية مشرقة لمستقبل هذه المدينة الواعدة، مؤكدا بذلك خططه لتطوير علاقات التعاون لتتخطى ثنائية الصادرات والواردات، وتنتقل إلى مراحل أكثر تقدمًا.

 

تعليق عبر الفيس بوك