لا تنسوا المواطن أمام قطار الضرائب

 

مسعود الحمداني

 

قبل أسابيع قليلة صدر قرار (مفاجئ) من وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه برفع نسب (الرسوم البلدية) على كافة الأنشطة التجارية والصناعية التي تتعامل معها، وبعد مذكرات رفعها مجلس الشورى وغرفة تجارة وصناعة عمان إضافة إلى مطالبات عامة في الشارع، تدخل مجلس الشؤون المالية وموارد الطاقة فعلّق العمل بالقرار إلى الأول من يوليو بدلاً من الأول من مارس الذي حددته وزارة البلديات، كما كلّف المجلس فريق عمل يضم غرفة التجارة والصناعة لدراسة الآثار المترتبة جرّاء هذا القرار خاصة على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

ولعل من غرائب هذا القرار أنَّه يؤكد فرض الرسوم، وفي نفس الوقت يشكّل فريق عمل لدراسة آثاره دون أن ينتظر نتائج الدراسة ليقرر بعدها ما يجب فعله!! ويبدو من ظاهر هذه القرارات أنَّ العمل برسوم البلدية آتٍ لا محالة، ولكن بعد فترة سماح زادت إلى ثلاثة أشهر بدلاً من عدة أيام كما هو في السابق، حيث لم يربط الخبر المنشور في الصحف بين نتائج دراسة (الفريق) المقترح وبين قرارٍ جديد قد يصدر بناءً على هذه الدراسة، بل ترك المجلس- كعادة معظم القرارات في هذه المرحلة- الحبل على الغارب للرأي العام للتأويلات والتفسيرات حسب خيالاته، وتكهناته، وترك سوق العمل على كف عفريت، لاهو في سماء ولا أرض، في انتظار ما تسفر عنه الأشهر القادمة، وما تأتي به الحكومة من قرارات تقرر بعض المؤسسات ـ بناء عليها ـ مصيرها، وبقاءها في السوق أو الخروج منه بأقل الخسائر.

ولعل هذه الرؤية غير الواضحة التي تكتنف المشهد التجاري والصناعي والناتجة عن قرارات حكومية مفاجئة يقرؤها القطاع الخاص في وسائل التواصل الاجتماعي، أو عبر الصحف (على الريق)، دون أن يكون له دور في صياغتها، يراها الكثيرون غير واقعية في ظل الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وإغلاق عدد من المصانع أبوابها، وتعثر بعض الشركات، مما يُضاعف الأعباء المتزايدة على الاقتصاد العماني مستقبلا، مع عدم نسيان قرار إلزام الشركات والمصانع بتشغيل 25 ألف باحث عن عمل (كدفعة أولى)، ما يعني الكثير من التحدي للقطاع التجاري والصناعي. ولعل إضافة أعباء جديدة على كاهل هذه المؤسسات قد يؤدي إلى تقليل فرص الاستثمار الداخلي، وفي حال استمرار هذا الركود، والذي يصنع بالتالي بيئة غير جاذبة للاستثمار والتجارة، سيكون علينا مواجهة ما يلي ذلك، وهو زيادة نسبة الباحثين عن عمل، وتردد الشباب العماني للعمل في القطاع التجاري، سواء كأصحاب عمل أو مشتغلين.

نحن مع قرارات حكومية جريئة وشفافة تُلزِم بها الحكومة نفسها قبل غيرها، دون أن ترمي الكرة برمّتها في ملعب القطاع الخاص، وتتخلى هي عن مسؤولياتها، وتعتقد أنَّ الحل السحري والسريع هو عن طريق زيادة الضرائب والرسوم على المواطن وكأنها غير معنية بالأمر، بل عليها قبل كل شيء، وقبل البدء في التحول إلى مرحلة "الجباية"، أن تواجه نفسها، وأن تقوم بإغلاق فوري للشركات الحكومية المتعثرة، والمستنزفة للمال العام، وأن تحاسب نفسها، وتعالج الأسباب التي "أفشلت" مشاريعها، واستنزفت مواردها، وتتساءل: إذا كان هذا حال الشركات الحكومية الكبرى والممولة بشكل سخي من قبل الحكومة، فكيف هو وضع الشركات الخاصة ذات رأس المال الفقير والمحدود؟!

إنَّ الضغط على رأس القطاع الخاص، وإدخاله في مرحلة القلق وعدم الاستقرار، ووضع كافة المسؤولية عليه، سيترتب عليه الكثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، وسيطال جميع مناحي الحياة العامة. فالمعادلة السوقية البديهية تقول: إنه إذا زادت الضرائب على التاجر سيكون الضحية الأولى له هو المواطن "المستهلك" والذي سيقع على عاتقه تعويض فارق القيمة، ولا أعتقد أن المواطن مهيأ لأي أعباء معيشية إضافية.

فلا تنسوا المواطن في صراع الخروج من تداعيات أزمة النفط ومآزق التخطيط، لأنَّ هذا المواطن هو من سيدفع "الجباية الكبرى" في النهاية وليس القطاع الخاص وحده كما يعتقد بعض المسؤولين.

Samawat2004@live.com