دولة فلسطين.. ضرورة استراتيجية

عبدالقادر عسقلان

عنوان المقال يمكن أن نطلقه شعارا على زيارة معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية معالي يوسف بن علوي لأراضي "دولة فلسطين" المنتظرة، حيث كرّس من خلال زياراته وجولاته في الربوع الفلسطينية وفي تصريحاته المتكررة ضرورة قيام الدولة الفلسطينية كضرورة استراتيجية لكل العالم.

وتأكيد معاليه أنّ قيام الدولة الفلسطينية وحل القضية الفلسطينية هو الطريق الصحيح من أجل التخلص من العنف والإرهاب، وعلى ضرورة وجود استراتيجية لقيام الدولة الفلسطينية باعتبارها الجزء الأهم في مكافحة الإرهاب في منطقتنا والعالم. وبوضوح تام أكّد معاليه أنّه لا يمكن تحقيق الاستقرار والتطور وبناء ثقافة التسامح والتعايش السلمي إلا بقيام دولة فلسطين بكامل أركانها.

وجاءت الزيارة في خضم ما يواجهه الشعب الفلسطيني في هذه الأيام من تحديات من أجل الدفاع عن حقوقه واستعادة أرضه ومقاومة الاحتلال ومواجهة رصاصه، وسقوط الشهداء وتمادي جنود الاحتلال في قسوتهم على المدنيين رجالا ونساء وأطفالا، وأمام تنامي العجز العربي والتقاتل العربي - العربي، والعربي- الإسلامي، وما بدأ يلوح في الأفق من تقارب خجول مع العدو الصهيوني والتطبيع معه رغم كل ما يقوم به في الأراضي الفلسطينية من قمع وقتل وسجن وسلب للأرض وتغيير للمعالم التاريخية في أرض فلسطين، في ظل كل هذا الوضع الصعب يواجه الشعب الفلسطيني الانحياز البشع للوسيط الذي وهب القدس لتكون عاصمة لهذا الذي بنى وجوده على الاحتلال والقتل والسلب واضطهاد أصحاب الأرض التي أقام دولته عليها، بإعلانه بأنّ القدس هي عاصمة رسميّة لهذا الكيان وينقل إليها سفارته.

وأمام مواجهة كل هذا؛ ومع تآمر ذوي القربى على هذا الشعب الذي توارث الكفاح والنضال والمقاومة جيلا بعد جيل، لاح لنا من يقول من الإخوة والأشقاء وفي قلب "القدس" عاصمة فلسطين كلامًا يضمد بعضا من الجراح.

فقد قال بن علوي كثيرا مما يثلج صدور الفلسطينيين ويبرد جراحهم منّها مثلا: إنّ قرار ترامب لن يستقيم وحل ملف القدس، والحل سيكون باتفاق سياسي لكون التكتلات الدولية أعربت عن رفضها لقرار ترامب بخصوص القدس، ومنها أيضا: إنّ فلسطين المحتلة ستظل قضيّة العرب المركزية الأولى رغم التشرذم والاقتتال الداخلي، والتيه في صحراء العنف الطائفي والمذهبي والتي تستنزفهم عبثيتها بلا جدوى، القدس عاصمة فلسطين الأبدية وستبقى عربية، وقيام الدولة الفلسطينية ليس هِبةً وإنّما هي ضرورة تاريخية وحضارية وجغرافية.

ووضع معاليه يده على قضيّة مُهمّة عندما أكّد أنّ التحرك العربي لا قيمة له ما دامت الدول العربية تتسابق لإقامة علاقات مع إسرائيل، ونحتاج إلى عمل عربي جاد ليضع حدا لهذا التوجه، وكذلك بقوله: الخطب لا تكفي والمطلوب اتخاذ قرارات وليس استنكارات لما يفعله الآخرون وعلى الجميع أن يتحمل مسؤولياته في دعم الفلسطينيين، وإعداد خارطة طريق لمنع العالم من اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.

وأصاب معاليه بالتأكيد على دعم القضية الفلسطينية في كل المحافل ودعم المساعي التي تبذل من مختلف الفعاليات السياسية الفلسطينية من أجل إتمام المصالحة بين جميع الأطراف الفلسطينية، لأنّ هذا الانقسام قد أضر بقضيتهم وشجع الآخرين على التقرب من مغتصبي أرضهم وإقامة العلاقات معهم.

وبجرأة غير مسبوقة دعا معاليه المسؤولين في كافة الدول العربية إلى زيارة فلسطين والقدس تأكيدًا على أنّ الشعب الفلسطيني ليس وحده وأنّ الشعوب العربية كلها تقف خلفه، كما طمأن الفلسطينيين بتأكيده على وقوف عمان مع فلسطين في كل وقت وزمان، ولم يفته أن يؤكد على العمل الجاد من الفلسطينيين لبناء بلدهم التي كانت على مرّ التاريخ منارة للعلم، وتحوي الجامعات والمدارس والأساتذة والخبراء، وتمتلك ثروة بشرية هائله تعد بمثابة ثروة لكل الشعوب العربية.

هذه التأكيدات والمواقف تأتي من دولة أكدت حكمتها الدبلوماسية دوما من خلال الجهود الدبلوماسية التي تبذلها في حل النزاعات بين الدول، ووصف سلطانها عن حق بحكيم العرب لما أبداه من حكمة في معالجة المشاكل العربية، وهذه الحكمة جسدتها الحنكة السياسية التي أبدع بها الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية معالي يوسف علوي، وقد أعطت عبرها للشعب الفلسطيني بارقة أمل تدعم صموده وقتاله لمحتل أرضه، ولذلك فقد منح الرئيس محمود عباس وسام نجمة القدس الكبرى إلى معاليه تقديرًا لجهوده الحثيثة ومواقفه الرصينة في خدمة القضايا العربية وفي طليعتها قضية فلسطين وتثمينا عاليا لأخلاقه ودبلوماسيّته الرفيعة الحكيمة. ومهما كانت دواعي وأهداف الزيارة فإنّها تؤكد دعم سلطنة الحكمة لشعب ثابت في تصميمه على تحرير أرضه وإقامة دولته.

ونأمل ألا ينتهي صندوق اللبان الذي أهدي إلى المسجد الأقصى والذي دخل بعد تفتيشه من قبل سلطات الاحتلال إلا والقدس مُحررة من مغتصبيها والدولة الفلسطينية قائمة وعاصمتها القدس الشريف، وعندها سيكون أول هدية عمانية للمسجد الأقصى.

وهناك أمور من المُسلمات لكن فقط تحتاج تذكير من آن لآخر منها أنّ الدفاع عن القدس هو دفاع عن تاريخ العروبة والإسلام لقدسيتها وتاريخها، وقدر الفلسطينيين هو الدفاع عنها والحفاظ عليها مدينة مقدسة في إسلاميّتها ومسيحيّتها وعروبتها.