التجارة بالبشر وتهديد الأمن العالمي

 

د. يحيى أبو زكريّا

كشفت بعض التقارير الأمنية الغربية أنّ تجارة تهريب البشر من العالم الثالث وإلى الغرب تدرّ على أصحابها خمس مليارات دولار سنويّا، وقد أصبحت هذه التجارة تضاهي تجارة المخدرات والسلاح بل أصبحت منظمة إلى أبعد الحدود، تسيطر عليها مافيّات دولية أبرزها المافيا الروسية والغربية ومجموعات عربية باتت تهرب البشر من العالم العربي وإلى أوروبا، وباتت تملك خبرة كبيرة في تهريب البشر. وتسعى الدول الغربية جاهدة لوضع حدّ لهذه الظاهرة التي باتت ترهقها وترهق خزانتها باعتبار أنّ طالب اللجوء يحصل على مساعدة مالية وإيواء إلى أن يصدر القرار في منحه اللجوء أو لا، ويطول الانتظار بين سنة وأربع سنوات، وفي فترة الإنتظار فإنّ الدولة التي وصل إليها هذا اللاجئ هي التي تصرف على ملبسه ومأكله ومسكنه وصحته.

وعلى الرغم من أنّ دول الاتحاد الأوروبي قد وضعت قوانين صارمة لجهة التعامل مع اللاجئين القادمين من العالم الثالث، إلا أنّ هناك كما هائلا من اللاجئين مازالوا يتدفقون على دول الاتحاد الأوروبي طمعا في الحصول على الكرامة السياسية التي توفرها الدول الغربية لمواطنيها وطمعا في الحصول على وضع مادي مريح. وتعتبر دول شمال أوروبا من الدول المرغوبة للكثير من طالبي اللجوء من العالم الثالث، على اعتبار أنّ هذه الدول وتحديدا السويد توفّر للاجئين ما لا توفره كل الدول الأوروبية مجتمعة، وقوانينها تشكّل أرقى ما توصلّ إليه العقل الغربي في إحقاق إنسانيّة مواطنيه.

ولو أنّ السويد وغيرها من دول أوروبا الشمالية فتحت أبوابها للاجئين لجاءها ملايين البشر ولذلك تلجأ هذه الدول إلى الحدّ من ظاهرة اللجوء بمختلف الوسائل.

ووصول اللاجئين إلى دول اللجوء يتم عبر مختلف الطرق قانونية وغيرها، الطريق الأول والطبيعي يتمّ عبر مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والتي تقوم وبالاتفاق مع الدول الغربية المانحة بنقل اللاجئين المضطهدين وأصحاب الوضعيات الخاصة إلى دول أوروبيّة تقوم باستقبال هؤلاء اللاجئين، وتوفر لهم ذروة الأمن السياسي والاقتصادي وبمجرّد دخول هؤلاء اللاجئين إلى هذه الدول الغربية المانحة فإنهم يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها المواطنون لا فرق على الإطلاق. وبعد سنوات محدّدة من إقامتهم يمنحون جنسية البلد الذي يقيمون فيه بدون تعقيدات إدارية أو بيروقراطية، كما هو الحاصل في معظم البلاد العربية، ويحق لهؤلاء اللاجئين المقيمين الاعتراض على كائن من كان في الدولة بدءا من الملك أو الرئيس إلى أصغر وزير، ففي السويد مثلا يستطيع أي مقيم أن ينتقد جهارًا نهارا رئيس الوزراء يوران بيرشون وعلى هذا المقيم أن يطمئن بأنّه سينام قرير العين بدون منغصّات أمنية، ونظرًا لهذا المناخ المطلق من الحرية فإنّ بعض اللاجئين يسيئون إلى قوانين البلد الذي يقيمون فيه دون أن يستدعي ذلك السلطات الأوروبية إلى تغيير القوانين، فالقوانين هي القوانين.

والذين يأتون إلى بلاد أوروبا عن طريق مفوضيّة شؤون اللاجئين هم قلة باعتبار أنّ هناك اتفاقية معينة بين الدول الأوروبية ومفوضية شؤون اللاجئين حول نسبة اللاجئين المستقدمين إلى أوروبا.

أمّا الشريحة الأخرى من اللاجئين وهي الأكثر عددًا فهي تصل إلى دول اللجوء بطرق مختلفة، فهناك جوازات السفر المزوّرة عربية وأوروبية، وكثيرا ما يسعى طالبو اللجوء وراء جوازات السفر السعودية على اعتبار أنّها تتيح دخول بعض البلاد الأوروبية بلا تأشيرة، ويقوم طالب اللجوء بتمزيق هذا الجواز قبل تسليم نفسه لسلطات البلد الأوروبي، وهناك الجوازات الأوروبية التي يحصل عليها طالبو اللجوء من تركيا أو اليونان أو قبرص أو بعض العواصم العربية التي تنشط فيها حركة بيع الجوازات والتأشيرات المزورّة كبيروت على سبيل المثال.

وكثيرا ما يعتقل حاملو هذه الجوازات في مطارات شرق أوسطية أو في أوروبا الشرقية أو في دول جنوب أوروبا وذلك قبل مغادرتهم إلى الدولة الأوروبية الهدف.

وغير هذه الشريحة المغامرة بمفردها فإنّ هناك عوائل ترهن مصيرها بأيدي مهربين دوليين محترفين مقابل عشرة ألاف دولار للعائلة الواحدة وأحيانا للفرد الواحد، ولأنّ الكثير من اللاجئين الباحثين عن الفردوس المفقود والوطن الموعود وقعوا ضحايا لاحتيالات العديد من المهربين، بات دفع هذا المبلغ وهو 10,000 دولار أو أكثر بعد وصول هذه العائلة إلى الدولة الغربية المانحة للجوء، وكثير من هؤلاء المهربين يعملون ضمن منظمات تهريب متخصصة في كل فنون التزوير، وأحيانا يقوم فرد حاصل على اللجوء في دولة غربية معينة بإعداد عدته والتوجه إلى دمشق أو بيروت أو عمان أو أنقرة أو لارنكا أو طهران، وهناك يبدأ بتنفيذ خطته مع عوائل تبحث عن حقوق لطالما فقدتها في العالم العربي والإسلامي والثالث.

وفي ملفات مفوضيّة شؤون اللاجئين وصفحات الجرائد الغربية مئات القصص لعوائل قضوا نحبهم وهم في مراكب بحرية متوجهين من روسيا و‘لى السويد أو الدانمارك، أو من تركيا إلى اليونان أو إيطاليا، أو من المغرب وإلى إسبانيا أو دول أوروبا الواقعة على ضفاف البحر الأبيض المتوسط.

وعلى الرغم من أنّ دول الاتحاد الأوروبي تدرس آليات القضاء على ظاهرة اللجوء والهجرة غير الشرعية إلى أراضيها، إلاّ أنّ هذه الظاهرة تزداد اتساعا، وخصوصا في ظل غياب الديموقراطية والأمن الاقتصادي في العالم العربي والإسلامي والثالث.