3 دواويين بالعربية والإنجليزية والإيطالية لـشريف الشافعي

مجدى بكرى - القاهرة


ثلاثة أعمال شعرية تشهدها الأسابيع الأولى من العام الجاري 2018 للشاعر المصري شريف الشافعي، باللغات: العربية والإنجليزية والإيطالية. عن „مؤسسة بتانة للنشر والتوزيع“ بالقاهرة، تصدر طبعة عربية من تجربة الشافعي „الأعمال الكاملة لإنسان آلي“،في مجلد واحد كلًا من: الجزء الأول „البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية“، والجزء الثاني „غازات ضاحكة“. وقد وقع الشافعي عقد الكتاب مع الدكتور عاطف عبيد رئيس مؤسسة بتانة، ليصدر في معرض القاهرة للكتاب 2018 (27 يناير-10 فبراير)، على أن تُختتم التجربة بجزء ثالث يصدر في وقت لاحق.
وتصدر في الولايات المتحدة الأمريكية خلال أيام قليلة الطبعة الإنجليزية من „الأعمال الكاملة لإنسان آلي1“ (البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية)، في قرابة ثلاثمائة صفحة، عن  دار نشر „أنباوند كونتنت“ في نيو جيرسي، بترجمة الدكتور عمرو الزواوي، مدرس اللغويات والترجمة في قسم اللغة الإنجليزية بكلية التربية، جامعة الإسكندرية.
جاء توقيع عقد نشر الكتاب في ولاية فيرجينيا الأمريكية، أثناء مشاركة الشافعي في „مهرجان بريدج ووتر الدولي للشعر“ (BIPF)، الذي انعقد في يناير 2017 بمقر جامعة بريدج ووتر في ولاية فيرجينيا، بحضور حوالي 80 شاعرًا من الولايات المتحدة ودول متعددة، من بينها مصر. وقد وقعت العقد عن دار „أنباوند كونتنت“، مؤسستها الشاعرة والناشرة الأمريكية أنماري لوكهارت.
ويتضمن الكتاب، فضلًا عن النص الشعري، عددًا من الدراسات النقدية حول التجربة، بأقلام مجموعة من الباحثين والمبدعين العرب، منهم: اللبناني الراحل الدكتور جورج جحا، الشاعر اللبناني شوقي أبي شقرا، الكاتب الجزائري سليم بوفنداسة، الشاعرة اللبنانية الراحلة صباح زوين، الشاعر السعودي محمد خضر الغامدي، الشاعرة السورية لينا شدود، الكاتب المصري الدكتور عادل بدر، الكاتب المغربي عبد المنعم الشنتوف، بالإضافة إلى حوار مع الشافعي أجرته صحيفة „الأهرام ويكلي“ الصادرة في مصر باللغة الإنجليزية.
أما الإصدار الثالث، فهو بالإيطالية، إذ صدرت منذ أيام قليلة أنطولوجيا شعرية عالمية بعنوان „غرفة الشاعر“، عن دار نشر „إديزيوني إيفا“ في إيطاليا (EDIZIONI EVA)، للشاعر الإيطالي جوسيب نابوليتانو (69 عامًا)، متضمنة قصائد من ديوان الشافعي „هواء جدير بالقراءة“، الذي صدرت طبعته الأولى في يونيو 2014 عن دار „لارماتان“ العريقة في باريس باللغتين العربية والفرنسية، في أربع وثمانين صفحة من القطع المتوسط، بترجمة الشاعرة المصرية، المقيمة في كندا، منى لطيف.
وتحمل الأنطولوجيا شعارًا هو „حوار الشعراء والقرّاء حول العالم“، وتتضمن مختارات من دواوين حديثة صادرة لشعراء من دول عدة، ترجمها نابوليتانو إلى الإيطالية عن لغاتها الأصلية، أو نقلًا عن لغات أوروبية وسيطة.  وتعد مشاركة الشافعي، على عشر صفحات بالأنطولوجيا، هي التجربة العربية الوحيدة في الإصدار، إلى جوار أعمال الشعراء: ريتشارد بيرينجارتن (بريطانيا)، دانيال ليورز، وجورج درانو، ونيكول درانو ستامبرج (فرنسا)، أدريانا هويوس (إسبانيا)، آنا روستوكينا (روسيا)، إيلير زاجمي، وندو أوكاج (كوسوفو)، كوي شين لي، وهسيو تشن (تايوان)، ريكاردو روبيو (الأرجنتين)، شيب إيميرلاهو (مقدونيا)، ساباهودين هادزياليتش (البوسنة).
يُذكر أن الشاعر شريف الشافعي من مواليد مدينة منوف في دلتا مصر في العام 1972، صدرت له ثمانية دواوين، هي: „بينهما يصدأ الوقت“ (القاهرة، 1994)، „وحده يستمع إلى كونشرتو الكيمياء“ (القاهرة، 1996)، „الألوان ترتعد بشراهة“ (القاهرة، 1999)، „الأعمال الكاملة لإنسان آلي1/  البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية“ (ثلاث طبعات في القاهرة ودمشق وبيروت: 2008، 2009، 2010)، „الأعمال الكاملة لإنسان آلي2/ غازات ضاحكة“ (بيروت، 2012، دار الغاوون)، „كأنه قمري يحاصرني“ (بيروت، 2013، دار الغاوون)، „هواء جدير بالقراءة“، باللغتين: العربية والفرنسية (باريس، 2014، دار لارماتان، ترجمة منى لطيف)، „رسائل يحملها الدخان“، باللغتين: العربية والفرنسية (باريس، 2016، دار لارماتان، ترجمة منى لطيف).
كما أصدر الشافعي كتابًا بحثيًّا بعنوان „نجيب محفوظ: المكان الشعبيّ في رواياته بين الواقع والإبداع“، 2006، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية. وقد اختيرت تجربته „الأعمال الكاملة لإنسان آلي“ للتدريس في جامعة „آيوا“ الأمريكية، وفي „جامعة الكويت“، وذلك بوصفها „إضافة حيوية إلى قصيدة النثر العربية“، و“نقطة التقاء حميمة بين الإبداع الورقي، والإبداع الإلكتروني“.
الجدير بالذكر أن شريف الشافعي شارك في ملتقيات ومهرجانات شعرية دولية عدة، منها: مهرجان „لوديف“ الدولي للشعر بفرنسا في 2014، ومهرجان الشعر العالمي في جامعة „بريدج ووتر“ بالولايات المتحدة الأمريكية في 2015 و2017، ومهرجان „آسفي“ الدولي للشعر بالمغرب في 2013، ومهرجان الشعر العربي في صور بجنوب لبنان في 2016، ومهرجان الجنادرية بالسعودية في 2017، وغيرها.
البحث عن نيرمانا
ينقسم نص „الأعمال الكاملة لإنسان آلي1“ (البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية)، إلى مائتي محاولة للبحث عن نيرمانا، حيث تظهر نيرمانا،  بتيماتها المتعددة، في جميع المقاطع، جنبًا إلى جنب مع الأنا المتحدثة بلسان الإنسان الآلي. وقد تم ترقيم محاولات البحث من 1 إلى 200 كعناوين للمقاطع، وإلى جوار كل رقم صورة لمفتاح البحث الإلكتروني الشهير (SEARCH)، الذي يتم النقر عليه عند إجراء بحث إلكتروني على الإنترنت من خلال محرك ياهوو أو جوجل.
في „البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية“، على حد ما يرى الشاعر اللبناني شوقي أبي شقرا: „لا ركون أبدًا إلى نقطة في الفضاء، وإنما تسبق الذات المتحدثة نفسها، تسبق الاحتمالات والحنايا وتقترب رويدًا رويدًا من الشأن العام، وتطل من الفردي، من المفرد، على عالم من الكثرة“.
في الجزء الأول من „الأعمال الكاملة لإنسان آلي“، يتحدث „الروبوت“ فاضحًا سوءات عصره الغارق في التسليع والميكنة والتقنية، وباحثًا عن ذاته الإنسانية المفقودة، النابضة بحرارة، رغم كل شيء، تحت جليد الحياة الرقمية. بل إن تلك الذات، على ضعفها وتلاشيها، لا تزال تحلم بإمكانية استردادها لفردانيتها وخصوصيتها، وتمردها على آليات السوق وإيديولوجيا التنميط وتوحيد حركة الروبوتات (البشر) وفقًا لقوانين صارمة، وبرمجيات لا يديرها إلا الريموت كونترول في يد القوة المهيمنة.
غازات ضاحكة
وفي „الأعمال الكاملة لإنسان آلي2“ (غازات ضاحكة)، المكتوب بلسان الروبوت المتمرد ذاته، تستدعي التجربة الغاز المعروف بالغاز المضحك أو غاز الضحك (أكسيد النيتروز)، وهو غاز يؤدي استنشاقه إلى انقباض عضلات الفكين، وبقاء الفم مفتوحًا كأنه يضحك (دون بهجة حقيقية بطبيعة الحال)، وكان يستخدم في حفلات الأثير المرحة (نسيان الألم)، والآن صار يستخدم في التخدير، خصوصًا في جراحات الأسنان والفم.
وتأتي لوحة الغلاف في السياق ذاته، حيث يضحك وجه بارد (يتخذ هيئة شاشة كومبيوتر) ضحكة آلية مصطنعة، وذلك في مواجهة الضحكة الإنسانية الصافية (الابتسامة الأورجانيك، بتعبير إحدى القصائد). وعلى ظهر الغلاف هذا المقطع: „لستُ صاحبَ مواهب استثنائيّةٍ/ صدِّقوني/ أتدرون: كيف عرفتُ/ أن هذه اللوحةَ لوحةٌ زائفةٌ؟/ لأنها ببساطةٍ لَمْ تكتشفْ/ أنني لحظة نظري إليها/ كنتُ إنسانًا زائفًا“.
يتحرر الآلي في „غازات ضاحكة“ من سطوة نيرمانا (أيقونة الجزء الأول: البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية)، منخرطًا في (حالات إنسانية) متتالية ومتشابكة في آن، ينشد فيها الطزاجة والبدائية والدهشة والصدق، ويتطور الإبصار الكشفي لديه مع تتالي المقاطع إلى رؤية كلية شاملة، وفلسفة شفيفة تغلف النص.
الحالة الأولى، كما يشير الشاعر شريف الشافعي، هي حالة الألم (معسكر السوس في ضرس العقل الإلكتروني)، وتؤدي إلى البحث عن مسكّن أو علاج. تليها حالة التخدير (استنشاق الغازات)، بما فيها من ابتسامات بلاستيكية (بلون القطن الطبي)، وتواصل باهت مع الآخرين (من الزوار المعقّمين). ثم تأتي حالة غيبوبة الآلي، وفيها تتضح هلوسات وأحلام الإنسان الطامح إلى التخلص من برامج التحكم، والارتداد إلى صورته الطينية، والانطلاق الحر نحو جاذبية الأرض، والتحليق في السماء. ثم حالة الموت (الموت في الهواء الطلق: هواء طلق)، التي تجسد انتصارًا لإرادة الحياة الحقيقية لدى الإنسان الحقيقي على قوة أجهزة الإعاشة الجبرية للإنسان الآلي في المستشفى.
ويظل شعاع الأمل يداعب المشهد، حيث تنظر (المرآة المتهشمة) إلى طيف الإنسان الحقيقي، فإذا بها (ترى كلَّ شيءٍ، ويعود العالَمُ). ثم يأتي المقطع الختامي بحصاد اكتمال رحلة الرفض والتمرد، حيث فهم كيمياء الوجود، وصيد الجوهر، وامتلاك الماهيّة.  
هواء جدير بالقراءة
أما ديوان „هواء جدير بالقراءة“، فإنه يمثل بوصف مؤلفه شريف الشافعي، ديوان الحيرة والتساؤلات: „رصاصتان صديقتان/ تفرّقتا فجأة/ اخترقتْ إحداهما جثة/ واستقرّت الأخرى فيها/ هل أوجعَ الجثةَ هذا الفراقُ؟“. ويضم الديوان واحدًا وسبعين مقطعًا مكثفًا، تندرج كلها تحت عنوان وحيد، هو ذاته عنوان الكتاب. في تلك التربة، يواصل الشاعر البحث عن موضع أرضي، أو فضائي، يصلح لقدم، بل وعن قدم تصلح للوصول إلى موضع دون أن يبددها الفقد، حيث تشابكت ألغاز الحياة وغدت لعبة غير مقبولة، وتجمدت الآمال كسحابات معلقة، لم تمطر منذ زمن: „ليست سحابة بيضاء/ هي ضحكة طائرة/ تبحث في الوجوه/ عن مدرجٍ آمنٍ للهبوط“.
ويحاول التعبير الشعري في النص أن ينشغل بمحاولة أن تكون اللغة هي ذاتها „ماهية“ ما تقوله، وليست رصدًا أو وصفًا لما تتناوله الكلمات. بمعنى، أن تتعرى لغة قصيدة النثر من صور الزينة، بما فيها الإيقاع الظاهري، وحليّ المجاز، مستندة إلى الاختزال الشديد، والتجريد، والشعرية الخام، والتصالح التام مع الذات، لتفصح عن الحالة البريئة الطازجة (كما هي)، وليس بالحكي عنها: „قولوا ما تتمنون/ عن البرد/ سأصفه بكلمة واحدة/ ترتجف“.
ومثلما أن القراءة تليق بهواء أصلي لم يتم تصنيعه ولا تدويره „فقط في طبعته الأولى/ الهواء جديرٌ بالقراءة“، فإن غيابًا جزئيًّا أو تامًّا قد يكون حماية من عالم يتلون كثيرًا، ويتبدل من حال إلى حال. الحياة وقتئذ هي التلاشي، والتمزق هو التحقق، والغياب هو الكمال: „التي مزّقتْ أصابعَها/ رسمتْ بعضَ ملامحي/ والتي مزّقتْ لوحتها/ رسمتني كاملاً“. ويبقى النظر، تحت أية حال، إلى الصدق بوصفه منجاة نسبية، أو فهو أقل الخسائر، حتى إن أتى بفضيحة لا يمكن مواراتها: „الأقبحُ من العوراتِ المفضوحةِ/ إصرارُ البعضِ على أن يكونوا: أوراقَ توتٍ“.

تعليق عبر الفيس بوك