"الزواج" بين الصفقة والسُّكنى!

هلال الزيدي

في الوقت الذي يجد فيه مهندس الصحة "عامل النظافة" في اليابان وضعاً مُقدَّراً ومحترماً من كافة شرائح المجتمع، تعود بعض المجتمعات إلى المربع "صفر" من حيث التعامل مع وظائف ومستويات أخرى لا توازي عامل النظافة الياباني؛ وذلك بسبب النظرة الدونية التي تتلبس تلك المجتمعات، وتتكرس في الأجيال بأشكال مختلفة، وبالتأكيد فإن هذا الوضع الوظيفي في اليابان لم يصل إلى درجة الرفعة إلا عن طريق التوجه الذي زرعته الحكومة في أفئدة الناس بمختلف الأدوات والسبل؛ فمثلا راتب عامل النظافة فى اليابان يصل إلى 8000 دولار شهريًّا أي ما يقارب 3000 آلاف ريال عماني، ولعل هذا التفاوت في مهنة عامل النظافة لا يعتبر من العجائب في بلد متقدم كاليابان، ولكن المستغرب نوعاً ما هي تلك القصة التي وقعت لشاب عُماني يتراوح عمره بين 40 إلى 42 سنة، والذي يعمل مسؤولا للعمليات في أحد المطاعم، ويتقاضى راتباً لا بأس به يستطيع من خلاله أن يعول أسرة أو أسرتين؛ فهذا الشاب عرف بين أصدقائه بأنه شاب مكافح ومجتهد؛ لذلك أراد أن يكمل نصف دينه، فشرع في البحث عن زوجة يسكُن إليها، إلا أن جميع الأبواب أُغلقت في وجهه لأسباب تكاد تكون رجعية من حيث التفكير؛ وبالتالي دفعته للتفكير بالزواج من أجنبية..فماذا كانت النتيجة؟

قبل أن أدلف إلى تتبع قصة هذا الشاب، فمن الجيد أن نربط الوقائع بعضها البعض حتى يتبين "الخيط الأبيض من الأسود"، وبالتالي يمكننا تكوين رأي صائب نحو قضية الوضع الوظيفي والآمال المعقودة عليه؛ لذلك فإن الوظيفة هي بداية السلم للدخول إلى مرحلة الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي، ولأننا جُبلنا على وضع معين لا يمكن المساس به ظهرت الطبيقية الوظيفية بشكل مزرٍ، وعبرها تحطمت رجاءات الشباب ليُصبحوا قضية مصيرية أضعفت البناء المسمى "بالمجتمع"، واتسعت الهوة لتكون الوظيفة حلما لا يتحقق على المدى القريب والبعيد، وإن تحقق تتفاوت الأفضلية بين الأفراد حتى وإن كانوا يحملون نفس المؤهل ومن نفس الجامعة أو المؤسسة التعليمية وتلك مصيبة أعظم؛ لذلك تنامت هذه الطبقية وهوت المهن الإنسانية إلى حضيض التقدير، وإن جاز لي التعبير أصبح شاغلو تلك المهن رقما لا اعتبار له ولا تقدير على المستوى الرسمي أو المجتمعي. وعلى سبيل المثال لا الحصر: المعلم والطبيب، ومهن أخرى ستكون طيَّ النسيان إذا ما تداركنا نجاحات الدول المتقدمة كاليابان مثلا، وحاولنا أن نتعلم من تلك الحضارات شيئًا مفيدا أو بالأصح نعود لحضارتنا التي كرَّمت الإنسان على اختلاف شاكلاته. إذن، تلك الهوة تحتاج إلى تجسير وطمر حتى تتحقق العدالة الوظيفية.

قصة الشاب -ولأنني أعرفها جيداً- رُبما تكون متكررة بفصول مختلفة متقاربة، وقد وقع فيها الكثيرون؛ لذا فإن سردها هنا من باب قراءة الجزء من الكل لمحاولة حلحلة بعض الإشكالات أو التحديات التي تعترض طريق شبابنا، مع تأكيدنا على تقدير المبادئ العامة الصحيحة التي أصبحت جزءاً من الهوية والخصوصيىة المحلية؛ لذلك فإن هذا الشاب عندما حاول أن يفك عزلة "العزوبية" واجه الرفض تارة من قبل "البنت" وتارة أخرى من قبل "ولي أمرها" بحجة أنه يعمل في مطعم حسب المفهوم العام لمعنى المسمى الوظيفي للوظيفة التي يشغلها، والأدهى من ذلك أن هذا الرفض جاء من أقاربه وتارة من خارج محيط الأقارب؛ وذلك السبب كان يعلن صراحة في وجهه دون لف أو دوران، ولعلها تلك إيجابية يستطيع أن يقيم ذاته بها؛ لذلك ومع بروز الأسباب والمسببات إلا أنه متمسك بمهنته ومدافع بشراسة عن توجهه، وبالتأكيد فإن مسألة الزواج تعتمد على التوافق، وهذا لا جدال فيه، وإنما نتحدث هنا عن سبب الرفض المبني على الوظيفة.

تلك مُعاناة يمر بها منذ فترة طويلة، حتى بدأ اليأس يتسلل إليه؛ مما دفعه للتفكير بالزواج من أجنبية علها ترضى بمهنته وتكون له سُكنى يسكن إليها، إلا أن تلك الفكرة لا بد لها من مكملات واشتراطات تحرص على تطبيقها جهات الاختصاص؛ حرصاً منها على المحافظة على التركيبة السكانية وأمور أخرى لا أريد الخوض فيها؛ فالعمر أو السن القانونية للزواج من أجنبية مُحدد، فيجب أن يكون عمر مقدم الطلب 45 سنة، أو أن تكون لديه أسباب اجتماعية أو صحية تدعو للزواج، وأن يكون قادراً ماليا على تكاليف الزواج وتوفير المسكن المناسب وإعالة الأسرة، وألا يكون متزوجاً بعُمانية ما لم تكن غير قادرة على القيام بواجبات الزوجية.

صديقنا حزم أمره وتوجه لجهات الاختصاص، وعند النظر إلى طلبه وجدوا أنه غير مستوفٍ للشروط من حيث "السن"؛ لذلك تم إغلاق ذلك البصيص أمامه، في انتظار أن تطوي السنوات سجلها ويصل إلى السن القانونية.

القوانين المنظمة للزواج من أجنبية لم توضع اعتباطا؛ فهي جاءت لحاجة اجتماعية، وقد سنها المشرّع في فترة زمنية لم يكن مجتمعنا يحتاج إليها، إلا أن مع التغيرات وتكريس الكثير من العادات والتقاليد ضمن منظومة الزواج، فهي بحاجة إلى مراجعات، أو ربما بعض الاستثناءات التي تكفل لجميع الأفراد حقوقهم.

----------------------------

همسة

هذا شاب لديه وظيفة، ولم يوفق في الدخول إلى عش الزوجية، فكيف بشاب لم يستطع أن يدخل عش الوظيفة ليحقق عش الزوجية.

abuzaidi2007@hotmail.com