المزايدة.. رُبّ ضارةٌ نافعةٌ!

 

هلال بن سالم الزيدي

ليس من المستغرب أن يصل هوس المزايدة على أرقام هواتف النقال إلى ما أسفرت عنه جولات بيع الأرقام التي طرحتها "عمانتل" بالتعاون مع هيئة تنظيم الاتصالات، وليس الغريب أن تصل لتك القيمة التي وصفها البعض بالخيالية، وإنما الغريب في الأمر تلك التفسيرات التي أفرزت العديد من الأسئلة حول أولئك الذين أشعلوا حماس شركات الاتصالات لتوجد طريقة أخرى أكثر ربحاً نظير خدمات متقطعة وبأسعار كبيرة، الأسئلة التي طرحها المجتمع طالت كل شيء إلا أن المتصدر هو: من أين لك هذا؟ ولعله سؤال مُتكرر عندما يظهر أصحاب الأموال في اقتناء كماليات أو شكليات يرون أنها ضرورية لهم، فيما أن السواد الأعظم يبحث عن استقرار وظيفي وأُسري وهي أدنى متطلبات الحياة، فهذا التناقض طبيعي في مجتمعات لم تتأسس إلا على طبقتين، طبقة دنيا "فقيرة" تعاني من الهشاشة الاجتماعية، وطبقة غنية استفردت بكل شيء وتملّكت زمام التحكم وهي تتجه إلى سياسة الاستحواذ عبر الكثير من المنافذ وأولها الوضع الذي تعيش فيه تلك الطبقة المطحونة كما يسميها البعض.

إنسان بسيط يسأل ويقول: ما الداعي إلى صرف مبلغ في رقم يرسل ويستقبل المكالمات كأيِّ رقم آخر؟ وهل هذا هو الاستثمار الذي يُحقق العدالة الاجتماعية؟ وهل تلك المبالغ ستُصرف كما أُعلن عنها لدعم مؤسسات خيرية؟ وهل من المساواة أن تُعطى الأرقام المميزة لأشخاص مُحددين دون غيرهم في حال أنها لم تكن عن طريق المزايدة؟ لذلك كان التوجه نحو إيجاد شفافية مطلقة تتيح لمن يمتلك المال الزائد عن حاجته رفع سقف التميز عن الآخرين، وعليه كانت المنافسة شديدة، ونحن هنا لا نُعارض الطريقة ولا نتفق مع التفسيرات التي تبحث عن مبررات في التعاطي مع هكذا موضوعات، وإنما نلملم شتات الأسئلة التي من شأنها أن ترفع من مستوى الموضوعية في كيفية حث أصحاب الأموال على الاستثمار المحلي بما يناسب الطبقة الفقيرة وإيجاد مجتمع متكافئ نوعا ما، وهذه ليست بالنظرة المثالية وإنما سعي في تحقيق التوازن وردم الهوة التي تتسع بشكل كبير.

 يأتي البعض بوصف هذه التجربة بالعادة الدخيلة على مجتمعنا وهي نظرة تدفع الآخرين إلى البحث عن ثقافة المظاهر التي ستترسخ في أجيال اليوم والغد، وربما تكون بعد فترات قادمة أهمية يحرصون عليها، وهو توجيه سلبي إذا ما اعتبرنا ذلك صحيحاً، إلا أنَّ رأي آخر يقول: بأن المال الذي لديك هو حرية شخصية ولا يُمكن أن يتحكم فيه أي طرف آخر، فيما اعتبر الآخرون بأن الدين الإسلامي أوصى بتصريف الأموال في خدمة الإنسان وتوظيفها بطرق شرعية حتى لا تدخل في نطاق التبذير المفسر بأعمال الشياطين، وعليه كان الغطاء هنا أن يكون مردودها خدمة لمؤسسات خيرية تحاول أو تردم جزءا من التفاوت الصارخ الذي يعيشه الفقراء، وعلى الرغم من تلك الآراء المتقاطعة إلا أن الدعوة إلى منابع الصدقة الجارية لا تحتاج إلى تباهٍ وفرد للعضلات، فكلما كانت الصدقة غير مُعلنة ولا يشوبها الرياء، كان قبولها مؤكداً لتكون في ميزان حسنات الإنسان، لأنه "في كل كبد رطب أجر"، ومهما كان هذا التنافس حق يراد به باطل أو باطل يراد به حق أو مظهر يراد به ظهور وتميز، إلا أن الظاهر يقول: وما خفي كان أعظم!

لقد أوجدت فكرة المُزايدة عددا من المشروعات التي يجب أن تتعمق حولها هذه الثقافة، مع التأكيد على ضرورة أن تكون الوجهة التي توجه إليها هذه الأموال واضحة ولا تسير في نفق مظلم وسري، فربما ستُذيب قليلاً من الجليد في الاستحقاقات التي تفرّد بها عدد من النافذين، وهنا نلمّح إلى أمثلة كثيرة منها: أرقام السيارات، فكم من رقم مميز منح من باب الكرم أو ما شابه لأشخاص ربما يكونون نافذين، لذلك قاموا بالاتجار والاستفادة من عوائده بشكل شخصي، إذاً لماذا لا تنتهج شرطة عُمان السلطانية هذا النهج؟ ولماذا لا تكون هناك مخططات سكنية وتجارية وصناعية وسياحية تطرح للمزايدة بشكل علني؟ ومن لديه القدرة على الشراء فله ذلك مع مراعاة الكفاءة المالية للأشخاص حتى لا يتسيّد المال على حاجة البسطاء ويخرجون خارج الإطار الاجتماعي ويصبحون عالة تتفاقم مع مرور السنوات، لأن هناك مخططات من الأراضي المتعددة الأغراض تمنح لأشخاص محددين وهذا ما ينافي المساواة الاجتماعية، ومن الجيد أن توجه هذه الأموال إلى بناء وحدات سكنية لأصحاب الدخول المنخفضة بطريقة الدعم الميسر.

لو عدنا إلى السؤال الأكثر إلحاحاً: من أين لك هذا؟ فمن الطبيعي بأن الإفصاح المالي "لأصحاب المناصب"  الذي أعلنت عنه المؤسسات الرقابية من فترة بعيدة لم يؤتِ ثماره ولم تستطع أن تتحكم في سير الأموال وحصرها لأنها لم ترتكز على قوة القانون، وإنما جاءت بطريقة عفوية وتحصيل حاصل ينم عن ضعف الإرادة وتتبع منابع تلك الأموال.

همسة

نحتاج إلى تفعيل المزايدة في كل شيء إن لم نستطع إيجاد شفافية في التعامل مع بني جلدتنا ونفعّل أموال أغنيائنا في الداخل ولعلها طريقة للتقليل من آثار الأزمة المالية بدل الاعتماد على رفع الرسوم على بسطاء القوم، فرب ضارة نافعة.

 

abuzaidi2007@hotmail.com