"صوّاره".. الصورة بجمالياتها

 

هلال الزيدي

صورة بارزة تعتلي المكان.. أُخذت من زاوية دقيقة.. عكست تفاصيل الحياة.. وخلّدت لحظة وقوع الحدث.. تحمل من الدلالات أجزلها ومن المعاني أنقاها وأعذبها.. فدقة الالتقاطة تشعرك بأنّ خلف الزناد مصور بارع يُتقن قراءة اللحظات ويستطيع تسجيل الصدف حتى لا تغيب عن الذاكرة.. فتحاول أن تبحث لها عن عنوان محدد فتتقاطر إليك الأفكار وتتفرع لديك التفاسير.

وعلى الرغم من اختلاف القراءات إلا أنّه في المجمل يتفق الجميع بأن حدث الصورة وتكويناتها الفنية هي روح الإبداع وارتكاز المعنى الذي أسس باقي معالمها.. وبتركيز أدق مع ضبط "الفوكس" وتكبير المشهد بـ"زوم إن" نستطيع أن ندرك بأنّ تلك الصورة هي إحدى صور مجتمعنا المحلي الذي يُبنى على التكامل والترابط وتأسيس الأجيال على تأدية واجباتهم خدمة للوطن باختلاف فئاتهم وبتنوع ثقافاتهم مع التأكيد على وجود طاقات لا تحدد بزمان أو مكان، وإنما تحتاج إلى مقود يوجهها لتيمم شطر الإبداع.. وهذا ما يتوفر بطبيعة الحال في جماعة "صوّاره".

جميلٌ أن يكون لك إطار تحدد من خلاله شغفك وتوجهاتك.. والأجمل أن تكون لك وجهة تحث السير إليها بخطوات واضحة مستقيمة.. والأكثر جمالاً في منظومة التأطير اللامحدود أو التأطير المحمود أن يتحول إطارك إلى هواية تهوي بها إلى حيث يقطن الجمال، والأكثر رقياً وجمالاً أن تُعمّق هوايتك لتصبح خدمة تلتمس بها طريقاً يوصلك إلى مفاهيم أكثر تفاعلاً في محيطك من حيث استثمار الكفاءات وضبط بوصلة الاحتياجات وتوظيف القدرات الفكرية والبدنية والفنية خدمة للمجتمع عبر رؤية ورسالة سامقة تتعدى فكرة تخليد اللحظات في صورة لشيء ما، لتصل إلى استنطاق ذلك الشيء بما يحويه أو كما أوجدته الطبيعة البكر.

"صوّاره"  مصطلح يرتقي باللفظة في معناها اللغوي ويترجم مغزاها الاصطلاحي باعتبارها آلة للتصوير خاصة بالتقاط الصور كما أشارت معظم المعاجم، أمّا في كيانها فهي جماعة تابعة لمركز رعاية الطفولة بوزارة التنمية الاجتماعية لها الكثير من المناشط والمبادرات التي أعطت رسالة عميقة للمجتمع بأنه لا حدود للفن، وهي تدار من قبل عدد من المتطوعين الذين يرون أن العمل التطوعي أمانة تنتقل من جيل لآخر عبر أفعال تظل ثابتة وتسجلها الذاكرة الإنسانية ويؤكد عليها إطار الصورة، وما نراه من إثباتات يقودنا إلى الاحتفاء بهذه الجماعة والمساهمة في توصيل رسالتها كل حسب توجهاته وقدراته، لأننا نتحدث هنا عن تكامل بين أضلاع الصورة الاجتماعية.

ما يثلج الصدر في "صوّاره" هو تحولها من مجرد نشاط يعتمد على نقل الحدث وتوضيح هيبة المكان "صوريا" إلى إيجاد كيان جماعي منظم يتنفس مع البيئة المحيطة ويتحسس ألمها ووجعها، ويحتفي بجمالها ورونق امتدادها، وهنا استحضر مقولة الإمام أبو حامد الغزالي "من لم يحرّكه الربيعُ وأزهاره، والعودُ وأوتاره، فهو فاسدُ المزاج ليس له علاج"، فأزهار الربيع وتفاصيل الحياة تمثل سيمفونية علينا استشعارها وربطها بالتوثيق حتى يتحرر الفكر من ربطة العنق، وهذا يُترجم ضمنياً لدى مجموعة الأطفال الذين يتأبطون آلة التصوير ويجوبون الأماكن ويستمتعون بالطبيعة مع حرصهم على الحفاظ على جمالها، فالتركيز هنا على الوجه الحسن المرتبط بالمزاج الذي يساعد في بناء الذات وإسعاد المحيطين بك من بشر وجماد.

إنّ الدور الذي تقوم به "صوّاره" هو جزء من منظومة الأنشطة والبرامج التي يتبناها مركز رعاية الطفولة بدعم من الوزارة والتي تحتاج إلى مزيد من القراءة لمعرفة الجهود المبذولة من قبلهم، فهي صورة متكاملة علينا أن نلتقطها بملامحها ليتعرّف عليها المجتمع ونشعل فتيل التشجيع لأولئك الفتية الذين أبرزوا وعزّزوا مفردات الجمال، وروّجوا للسياحة كهدف اجتماعي يرتقي بالإنسان أينما حلّ وارتحل، كما أنّ التخصصية في مجالات التصوير التي انتهجها أعضاء المجموعة شيء يحسب لمن يقف خلفهم وبالتحديد مصور الفياب أحمد الحوسني، فله الشكر والتقدير.

الثقة التي تزرعها الجماعة في نفوس منتسبيها هي دافع آخر يساهم في دفع الأطفال إلى تحديد مسار هواياتهم وصقلها بالتدريب والتعليم الفعلي، لتتحول مستقبلاً إلى مشروعات تجارية يبدؤون بها حياتهم ويجابهون بها متطلباتهم، مع ضرورة استثمار تلك الصور التي انتجتها الجماعة من باب دعمهم والمحافظة على إبداعاتهم.

همسة:

في كل التقاطة مشهد.. وفي كل مشهد قصة تحتاج إلى فصول وحبكة وسرد يُشد المتتبع.. ولكل قصة عنوان.. وعنوان هذه القصة هي: "صوّاره".

abuzaidi2007@hotmail.com