الباحثون عن عمل ومغادرة جحيم الحاجة

د. سيف بن ناصر المعمري

الحاجة أياً كانت جحيم لا يطاق، والفرد الذي تطأ قدماه هذا الجحيم علينا أن نتفهم ارتفاع صوته بالشكوى وبالمُناداة على أي أحد من أجل أن ينتشله من عذابات الحاجة، ولا يحملنا الاكتفاء والاستغناء عن صم آذاننا عن هؤلاء المعذبين بالحاجة إلى العمل لأنه لا مفر من ذلك إلا لمن عوَّد نفسه على عدم النظر من القمة التي يجلس عليها إلى القاع الذي يتكاثر فيه هؤلاء المعذبون بشهاداتهم وبحاجتهم إلى عمل إن لم يتمكنوا من الصرف على أسرهم فقد يتمكنون من تلبية نفقات الشباب في القرن العشرين والتي لا يُمكن التغاضي عنها، ولا يُمكن للمسؤول الأكثر امتلاكا لمفاتيح أبواب مغادرة منطقة الحاجة أن يتجاهل أيضًا ما يصله من آلام هؤلاء المعذبين بالحاجة لأنَّ مسؤوليته الرئيسية هي التقليل من وطأة هذه الحاجة أو على الأقل تقليل مدتها أو إن كان لا هذا ولا ذاك التصريح بالعجز عن إيجاد المخارج التي يمكن أن ينفذ منها بضعة آلاف من هؤلاء الذين عذبهم البقاء بدون وظائف..فذلك أيضا يمثل مساهمة في التقليل من وطأة ما يُعانيه هؤلاء، وهكذا يجب أن يكون موقف عالم الدين ورجل الأعمال والتاجر والكاتب وأستاذ الجامعة وغيرهم من فئات المجتمع أن يتفهموا ما يسمعون وما تمر به هذه الفئة من مجتمعنا لأنهم يتطلعون بأمل إلى الجميع علهم يجدون رجعاً لصدى سؤالهم الدائم: كيف لنا أن نُغادر جحيم الحاجة في أقرب وقت؟.

هذا السؤال لا يُمكن لأحد أن ينكر شرعيته ولا يمكن لأحد أن يُقلل من منطقيته، ولا يُمكن لأحد أن يشكك في وطنيته لأن توفير فرص عمل لهؤلاء الشباب يعد حفاظًا على استثمار رأس المال البشري المؤهل والذي أنفق على تعليمه الكثير من المال أما عدم توفير فرص عمل أو مخارج للاستقلال بأعمال خاصة فيعد تضييعاً لرأس المال البشري وصناعة لسلسة من الإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية وبالتالي مضاعفة الحاجة للأموال لمُعالجة هذه الإشكالية، ويتحول هؤلاء الشباب من حل للنقص في الكوادر المؤهلة إلى سبب للمشكلات، ولذا يجب أن ينظر إلى ردات فعل الشباب خلال الفترة الأخيرة بشيء من التفهم والاهتمام خاصة في ظل إطلاق هاشتاج الأسبوع الماضي ضد وزير القوى العاملة الذي يحملونه ما يجري من شح فرص التوظيف لهم في سوق القطاع الخاص وفي الواقع لم نجد حتى اليوم مُبادرات جدية منهجية لمواجهة تزايد أعداد الباحثين عن عمل والذين تعذبهم الحاجة إلى العمل لا من القطاع الحكومي ولا من القطاع الخاص ولا من المجتمع ولا من الشباب أنفسهم، نعم المرحلة فيها متغيرات اقتصادية لكن هكذا وجدت الدول والمجتمعات نفسها في مواجهة ظروف وتحديات وعادة الحلول لا تولد في لحظات الرخاء إنما تولد تحت ضغط الأزمات، ولذا لابد أن تركز كل هذه القطاعات على كيفية مساعدة هؤلاء الشباب للخروج من جحيم الحاجة، فخروجهم منها فيه كثير من الرخاء للدولة والمجتمع، ويجب أن نفكر بشكل إستراتيجي وألا نصعب الحلول ونعقدها لأننا أصبحنا دون أن نشعر أمة لا تصل إلى الحل السهل إلا من خلال طرق متعرجة تطيل من مدة الوصول، إذن ما الذي يمكن فعله للذين ينتظرون دورهم في التوظيف منذ ثلاث سنوات وغيرهم من المنتظرين؟

من وجهة نظري المتواضعة أن صناعة الفرص كما يحلو للبعض تسميتها مسألة ليست سهلة في ظل تعدد الأطراف وتباين المصالح والأهداف، فالبعض أيضًا ينظر للعدد الكبير من الباحثين عن عمل كمصدر لتحقيق منافع من الحكومة، ولذا فإنَّ كل طرف لابد أن يقوم بدور على المدى القريب والبعيد للتقليل من وطأة الجحيم الذي يعيشه الشباب وفي ما يلي بعض النقاط الجديرة بالدراسة:

أولا/ الحكومة لابد أن تقوم بدراسة للوظائف التي يمكن أن يشغلها الشباب العمانيون في القطاع الحكومي والشركات التي تتبع له ويتم تأهيل الشباب لها بالمؤهلات المطلوبة من دراسات عليا إن لزم الأمر، كما يتم مراجعة تخصصات التعليم التي تضاعف أعداد الباحثين في تخصصات معينة فيها، كما يتم رسم خريطة مستقبلية للتقليل من هدر رأس المال البشري.

ثانيا/المجالس البرلمانية يجب أن تجعل مسألة الباحثين عن عمل وسبل تمكينهم من العمل أولويتها الكبرى في عام 2018 سواء تطلب الأمر مناقشة الوزراء المعنيين بالتعليم والتشغيل أو تطلب الأمر مراجعة القوانين والتشريعات التي تعيق ذلك التمكين أو تطلب الأمر عقد جلسات حوارية جادة مع نخب المجتمع أم تطلب الأمر توظيف للأدوات البرلمانية المحرمة حتى الآن، لن تكون سياسة النأي عن مشاكل المجتمع حلا حكيما ومقبولا.

ثالثا/ القطاع الخاص ومن يقودونه من غرفة ومجالس اقتصادية واتحاد عمالي وغيرهم عليهم أن يقدموا رؤيتهم في المساهمة في تمكين الشباب في سوق العمل وحماية وجودهم وحقوقهم وفي مُقدمتها الحق في الحصول على وظيفة ملائمة في القطاع الخاص وعلى هذه الأطراف أن تقدم للشباب الأمل في المشاركة في العجلة الاقتصادية.. وأن يعبروا عن مسؤوليتهم الاجتماعية نحو المجتمع هذه المسؤولية هي واجب عليها وحق للمجتمع ومطالبة المؤسسات الصغيرة جداً بتأدية الواجب يعكس خلل كبيرا جدا في مسألة التعمين.

رابعا/ المجتمع لابد أن يكون شريكا في مسألة مساعدة الشباب للتخفيف من جحيم الحاجة وآثارها من خلال تفعيل

تقديم المبادرات مثل إنشاء صناديق اجتماعية يساهم فيها الجميع إما صناديق تمويل لمشاريع الشباب أو صناديق للزواج أو صناديق إسكان لن يكون مقبولاً أن يتفرج المجتمع على أهم فئاته تواجه هذه التحديات دون أن يشارك بجدية للتخفيف منها.

خامسا/مؤسسات الإعلام لابد أن تبدأ في التعامل مع إشكاليات الشباب الباحثين عن عمل بجدية، فالإعلام لابد أن يحمل رسالة سامية تنموية تبعد عن مسألة تجاهل هذه القضايا أو تقديمها بصورة مختلفة لا تعبر عن تداعياتها حفاظًا على مكاسب معينة إما مع الحكومة أو مع القطاع الخاص. ويضيق ذلك من المكاسب التي يمكن أن يحققها للشباب أليس ذلك بعدا عن الدور المتوقع من الإعلام بمختلف مكوناته ومؤسساته؟

سادسا/الشباب عليهم أن يشاركوا في التخفيف من وطأة جحيم الحاجة بعمل منظم ومنهجي ومعتدل مع مختلف الأطراف السابقة بما يتيح لهم انتزاع امتيازات للشباب الذين ليس لهم عمل مثل إلغاء الرسوم على تجديد الوثائق الرسمية وأيضا وغيرها من رسوم الخدمات التي تقدم للناس من مختلف المؤسسات، بحيث تشمل رسوم شرطة عمان السلطانية ووزارة القوى العاملة والمؤسسات الصحية واستخدام وسائل النقل المختلفة وتخفيضات الاتصالات وما يقدم من خدمات ترفيهية هذا يعبر عن اهتمام حقيقي بالشباب ما معنى أن تكون بلا عمل وأن تطالب بتأدية ما يؤديه صاحب العمل، عليهم أن يقوم بالدراسات على سوق العمل بأنفسهم لتوضيح واقعهم فيه وأين يجب أن يكونوا.

هذه بعض النقاط التي يمكن أن تقلل من وطأة جحيم الحاجة، الشباب هي الفئة المنتجة وعملية التعامل مع احتياجاتهم مسؤولية مشتركة يتباين فيها الإسهام تبعاً للقدرة والسلطة، لكن لا يمكن أن يعفى أحد من أدواره بحجة الأزمات الاقتصادية لأن التضحية بأهم فئات المجتمع لن تكون مقبولة وطنيا.