البدر في وضح النهار

​آمال الهرماسية​

هل غيرنا من أحد رأى الشمس والبدر مجتمعين!! هل غيرنا مَنْ تعلقت أرواحهم وصمتت شفاههم وانحبست أنفاسهم وبرقت أعينهم، واشرأبت أعناقهم، في لحظات خاطفة، ساحرة، نكاد نحصيها بعدد دقات قلوبنا المتسارعة ورمشات عيوننا الرانية واحتباس ألسنتنا اللاهجة حبا وفرحا ودعاء صادقا لمن ملك منا الاحساس ليعيده عشقا، وتملك من المهج ليردها استقرارا وسلب منا العقل ليصبح تعقلا.

عرفنا العاشقين ضعافا مسلوبي الإرادة، وأرانا أقوياء واثقين راسخي المبدأ واثقي الخطى في هذا الحب الذي ليس يختلف فيه كبير أو صغير، عرفنا العشق نادرا وها هو يعم في أنحائنا وينقسم بين قلوبنا فيملؤها وجدا وشوقا يتجدد بلقاء الحبيب بين الفينة والأخرى، لقاء تغنت له السماء بغيم ظلل صباحنا منذ ساعاته الأولى وأضواء أشعت فرحا وابتهاجا تحضرًا وتأهبا لذاك الحبيب الذي لم يخلف موعده يوما للقاء أحبائه.

ويا لغرابة ذاك اللقاء الذي يزداد تلهفا ولا يعرف نقصانا، والذي يتجدد ولا يعرف وهنا، ويتوهج ولا يعرف سكونا، وكيف لذلك أن يكون؟ ومن نعشقه يزداد في كل يوم هيبة وجلالا، ونزيد به عشقا وهياما، سكون يعلو محياه، وعمق يملؤ عيناه، وعزة تصحب خطاه، وهالة تطغى على المكان في حضوره ووقوفه وجلوسه وحركته وسكناه.

جاء البدر مكتملا، مشعا، منيرا، محاطا بنجوم خفت بريقها وانحنت لقدومه حبا وكرامة، جاء قابوس بنوره المعهود وسكونه وهدوء إطلالته وروعة ابتسامته، جاء حبيب شعبه حكيم وقته، وكريم طبعه، وواثق خطوته، جاء من تعلقت به الألباب، جاء! وهل عن قلوبنا وعقولنا يوما أو ساعة قد غاب؟ جاء فاحتضنته الأعين والأنفس واستبشرت بقدومه حتى حبّات التراب، جاء ليسعد بقدومه شعبه والأحباب.

اليوم، اليوم فقط، اكتملت فرحة عيدنا، وازدانت قلوبنا بعد شوارعنا، وابتسمت قلوبنا قبل شفاهنا، وتهللت أساريرنا واطمأنت أنفسنا برؤياك سيدي، فلتباركك السماء من رجل لم ولن يجود الدهر بمثله، كريم معطاء، مظل في البأساء والضراء، محب للسلام نابذ للغوغاء، عادل، مسامح، رفيع، جليل، تشهد له الدنيا بمواقفه الغراء.

على الموعد انت في كل عام، وان بعدت خطاك، تهنئ شعبك بعيدهم، فهل تعلم أنك العيد والفرح وأن لا عيد بدون رؤياك، ولا فرح بدون جميل لقياك، ولا حياة ولا ابتسام ولا ترنيم إلا بذكرك وحضورك وعبق هواك، ومن ذا الذي يرد الهوى إذا طرق القلوب وتربع على عروشها وتمكن من أعماقها، وتدفق في شرايينها.

فلتهنأ عمان بعام جديد من التألق والبهاء، ومن الخير والأمن والعطاء، اهنئي وأكثري الحمد لرب السماء على نعمة وجود ابنك البار الذي حباه المولى بجميل الصفات، وكرم الطبع، وحكمة الفعل، وعمق الموقف وسداد القرار، فالحمدلله حق حمده أن أكرمنا الله بك سيدي، نبراسا نتباهى به ونعدد أفعاله فلسنا نعدها، ونذكر أمجاده فلسنا نحصرها، ونستذكر مواقفه فلسنا نحصيها. الحمدلله كما وجب له الحمد أننا من عمان وإليها وفيها ننعم بخيراتها، ونتنعم بمكارمها، ونفتخر بمكانتها، ونتألق برونقها.

حق لنا اليوم أن نصدح بأن هنيئا لكل من عمل وجد وساهم في رفعتها، هنيئا لكل من خط حرفا من أجل عزتها، هنيئا لمن أخلص قوله وعمله من أجل سداد مسيرتها، هنيئا لمن أدى أمانته فيها من أجل ازدهارها، هنيئا لمن أحبها وأخلص في حبها، فبالحب تبادله وبالعزة تكرمه وبالسلام تحنو عليه، وما الغرابة؟! وعمان الأم، لا تمتد يدها إلا بجزيل الخير، وكريم العطاء، ومنتهى السلام، ورونق الأمان وحنو وعطف الأم التي لا هم لها غير راحة أبنائها واستقرارهم وسعادتهم وعزتهم وكرامتهم. وعهدنا لك سيدي، وعهدنا لك عمان، إننا على خطى السلطان الحكيم مسارنا وعلى نهجه القويم قرارنا، يد واحدة وقلب واحد، هكذا أردتها عمان، وهكذا هي اليوم سيدي، فلنجعل من يومنا هذا فرصة لمراجعة ما كان منا وما سيكون، فما كان خيرا فليزدد خيرا وإن كان غفلة وجهلا فلنتدارك أنفسنا ليس من أجل ذواتنا بل من أجل مصلحة عليا تشملنا وتشمل تاريخنا ومستقبلنا، آباءنا وأبناءنا، ماضينا وحاضرنا، لنحاسب ذواتنا بعدل وحكمة ولنجعل من الوطن غاية سامية عليا تنتهي فيها مصالح لتكتمل أهدافنا العليا وطموحاتنا، وتموت في أنانيّتنا لتزهر محبتنا ويزيد تكاتفنا، وتنعدم فيها ذاتيتنا وينتصر حب الوطن والتضحية والذود عليه وعلى رفعته.

حب الوطن من الإيمان.. ما أخطرها من عبارة لمن وعى كنه الإيمان وقوته فمرادفه صدق وصفاء وعكسه كفر ورياء، حب الوطن ليس أهزوجة نتغنى بها، ولا ترنيمة ترددها شفاهنا، ولا شعارات خاوية نرفعها ونتشدق بها هنا وهنا، حب الوطن إيمان، إيمان، إيمان، دين وعهد وأمانة ما أثقلها على الإنسان، حب الوطن كحب الوالدين صدقه بر وغيره عقوق، فاجعلنا اللهم من المؤمنين البارين، الصادقين، العاملين بإخلاص والمنجزين بتفان والقائلين بصدق والكاتبين بضمير، والحاكمين بعدل والمنصفين بحلم، اجعل ألسنتنا أحصنة تجاهد بالحق وباليقين، واجعل أنفسنا قانعة مدركة جزيل النعم من حولنا، واجعل لنا في العمل بركة وفي نقاء النوايا صدقة، وأبعد عنا شر الفتنة وسوء طبع التذمر ووبال التسرع، وهم الطمع، وخزي الخيانة، في القول والعمل.

فلا خير فيمن اتخذ مصلحته مطية يتاجر بها في حب الوطن، غير مكترث بما ينثر من سموم حوله لا تبقي ولا تذر، متنكرا لعميم الخير وجميل الفعل، وجزيل النعم التي أدرتها عمان لجعله سيفا قاصفا متذمرا متشاكيا متكاسلا منتقدا دون بينة أو حجة أو دليل، ناهبا طامعا عاقا أعمى البصيرة منمق الحرف، كاذب القول، ولكن هيهات أن يكون لعمان بذرة سوء وهي من علمت الأمم من حولها حكمة القول وصدق الفعل ورجاحة العقل وسديد القرار، هيهات أن يكون بين أحشائها من لم تمتزج دماؤه بنقاء سريرتها وجميل طبعها.

عمان، درة الأوطان، جوهرة جملها الرحمن وحفظها ورعاها وخصها بالأمن والأمان، وتوّج عزتها بقائد سلطان انحنت له وللطف طبعه وسحر شخصه ودمث خلقه العرب والغرب وسائر البلدان. بشراك سيدي أنفسنا وما لدينا لك فداء، وعلى عهدك باقون وعلى خطاك سائرون، وفي نهجك ماضون متكاتفين متحابين.

جف حبري ولم تنتهِ كلماتي، فالقول فيك سيدي لا متناه، والحب فيك لا يعرف منتهاه، والفرحة برؤيتك أطلقت لأحاسيسنا العنان، وها نحن نقول وننشد ونترنم ونتعجب، فهل غيرنا رأى البدر في سناه جالسا يملأ الأفق بهاء ويملأ قلوبنا سعادة وهناء ويضفي على عيدنا بريقا وضياء.. حفظك الله مولاي، وسدد على ذرا المجد خطاك، وحفظ الله عمان وشعبها في عزة وكرامة ما دامت الأزمان.

amel-hermessi@hotmail.com