اتَّقُوا الله فِي الشِّعر والذُّوقِ والفِكْر

أ.د/ إيمان محمد أمين الكيلاني
الجامعة الهاشمية – الأردن


حين أقرأ مايكتب هذه اﻷيام من كلمات شكَّلت رسائل أقرب ما تكون إلى هرطقات العصور الوسطى الغربية بين دفتي كرتون، كُتِبَ على وجه الصفحة الأولى "ديوان" وأبدأ أقرأ، وأُعيد القراءة مرةً تلو المرة بحثًا عن مفاتح للنص الذي أجده منغلقا أصلا، ﻻباب له وﻻنافذة تشرف منها على روحي، أو تشرف روحي عليه منها، وأكاد أتهم عقلي الذي يحار ويتشتت ويتشرد في براري لغة ﻻمضبوطة وﻻمتجانسة، خلطة كلمات أشبه ماتكون بكفتة معجونة برمل مزركشة بالورد، وعندما أقرأ لشعراء حقيقيين كالمتنبي، والرضي، وأبي تمام، وغيرهم تعود إلي ثقتي بعقلي وأدواتي في تشريح النص، وأقف أحيانا حائرة أمام النقد الجميل جدا اﻷجمل بكثير كثير من تلك الشعوذات، وأتساءل أيهما أفسد اﻵخر؟
أهو الناقد الذي فهم عبارة "أن النقد جمال على جمال وفن على فن" على غير ما ينبغي فشطح ونطح، وقوَّل المشعوذَ وشعوذاته مالم يقل، فنفخَه وصيره شاعرًا وقدمه نموذجا فأفسد ذائقة الشعراء وأفسد الشادين منهم؟ أم أن هؤﻻء المشعوذين الذين يعجزون عن فهم أنفسهم هم الذين أفسدوا ذائقة النقاد الذين ﻻيجدون نماذج شعرية حقة يظهرون فيها براعتهم في الكشف عن مزايا النص الحديث وجمالياته؟
حقا إننا في أزمة أخلاقية حقَة أمام النص ونقده!
فكثير من النقاد نقده جاهز مادام يعلم أن هذه الكلمات لفلان؛ لذا ﻻ ألوم أحيانا موقف "البنيوييين" الذين نادوا بموت المؤلف مثل بارت في مقارباته اﻷولى وريجاردز ومن نهج نهجهما؛ ﻷنهم أرادوا عَلْمَنة النقد وموضوعيته واستنطاق بِنَى النص حقا ﻻ اﻻنطلاق من موقف شخصيّ وذاتي من اﻷدباء، فعلى الرغم مما يسلم إليه عزل المؤلف عن النص من انسلاخ عن سياقه التاريخيّ والنفسيّ واﻻجتماعيّ واﻷيديولوجيّ وغيره، إﻻ أنه يولي عنايته اﻷولى للنصّ نفسه ﻻ لشيء خارج عليه.
وعلى الرغم من أنني مع ربط النص بسياقاته إﻻ أنني أرى التردي اليوم في الحالة النقدية في أتون الذاتية والشللية المغرقة، وإن كان النقاد - إﻻ من رحم ربي- يوهمون أنفسهم والقارىء بأنهم موضوعيون! لهؤﻻء أقول: اتقوا الله في الشعر والذوق والتّاريخ والفكر العربي!

تعليق عبر الفيس بوك