حميد السعيدي
عملية التعليم ليست بتلك البساطة التي يتوقعها البعض، وذلك لأنّها تتعامل مع عقول بشرية بحاجة إلى البناء الجسمي، والعقلي، والعاطفي، بما يمكنها من القدرة على التعايش مع المجتمع، لذا فإنّ هناك مؤسستين رئيسيتين لهما دور أساسي في تربية الأبناء، ولا يمكن التخلي عن إحداها على حساب الأخرى، ويعتبر ولي الأمر معلما في البيت؛ يجب عليه القيام بالعديد من الواجبات، والدور الذي يقوم به موازٍ لدور المدرسة، وتحقيق التكامل بينهما أمر ضروري، ولا يمكن اليوم التخلي عن هذه المسؤولية، إذ أنّ الطفل يقضي وقتا مهما بجوار أبيه ويتعلم منه القيم والأخلاق الفاضلة، ولكن ما زال هناك اعتقاد أو اتكالية على أنّ مسؤولية التعليم تقع على المدرسة وحدها، وهي المعنية بالتربية والتعليم، وهذه النظرة ما زال يتمسك بها العديد من الآباء ويتعذرون بأعذار من أجل التنازل عن أدوارهم نظراً لانشغالهم بتوفير مصدر الرزق لهؤلاء الأبناء، وهو عذر لا يمكن قبوله اليوم في ظل التغيرات التي تحدث بصفة مستمرة وتؤثر على حياة الطالب.
لذا فيكتفي الآباء بالاتصال بالمدرسة بين الفينة والأخرى للاستفسار عن مستوى أبنائهم، والبعض لا يعطي هذه الاتصال أي أهميّة في عملية متابعة الأبناء، ولكن إذا كان الأمر يتعلق بهذه الغاية فلا داعي للاتصال بالمدرسة لأنّها تقوم بواجبها، لأن علاقة الأب بالأبناء تمّ تأطيرها في منظومة قائمة على الحقوق والواجبات، ويجب على الأب أن يمارس دوره كمعلم للأخلاق والقيم الفاضلة وعلى مساندة ابنه في عملية التعلم.
أما التنازل عن هذا الدور فيؤدي إلى إيجاد أبناء غير قادرين على التعايش مع المجتمع، وأحيانًا يكونون عبئا على المجتمع بأخلاقهم السلبية وسلوكيّاتهم السيئة داخل المدرسة وخارجها، مما يخلق أجيالا لا تقدر قيمة الوطن ولا أهميّة دورهم في الحياة.
وعلى الأب أن يدرك جيداً أنه مسؤول وعليه القيام بواجباته، ولا يمكن تحت أي ظرف كان أن يتخلى عن مسؤولياته، طالما أنّه كان سببا في إنجاب هؤلاء الأبناء، فالتربية ليست عملية سهلة، والأطفال عندما يولدون فإنهم صفحة بيضاء، هذه الصفحة تكتسب العديد من القيم وتزرع بها الأخلاق والمبادئ وأعراف المجتمع، والشريعة الإسلامية، ولكن من خلال القدوة الحسنة التي يجب أن يتحلى بها الأب، فالطفل يتعلم من أبيه كل ما هو إيجابي وسلبي أيضا، لذا فعندما نشاهد العديد من السلوكيات السلبية هي نتاج تربية ما لم تكن في المسار الصحيح، لذا فإن الشراكة بين البيت والمدرسة التي نتحدث عنها هي ما يتعلق بالقيام بالدور الأساسي في التربية والتعليم، فعندما نشاهد العديد من المعاقين فكريا وسلوكيا وأخلاقيا ويحدثون الفوضى في كل مكان، هذه نتيجة للتربية الخاطئة، والوطن لا يمكن أن يدفع ضريبة التربية الخاطئة، ولن يقوم بدور الأب في تربية الأبناء، والأب الذي يرى نفسه غير قادر على هذا الأمر فيجب أن يحسم الأمر من بدايته وليس بحاجة إلى الإنجاب، فالمجتمع غير معنى بعدم مقدرتك على تربية أبنائك، فهذا التربية اليوم وضعت لها إطار من المهام والمسؤوليات، وهناك قوانين وهيئات معنية بمتابعة تربية الأطفال وتوفير احتياجاتهم، وعجز الأب عن القيام بواجبه يجب أن تتم محاسبته وفقا للأنظمة المتعلقة بهذا الأمر، وهذا يقودني للحديث عن الأرقام الكبيرة التي عرضتها المؤسسة التربية والتي لم تحظ بالحصول على التعليم، نتيجة عدم قيام ولي الأمر بتسجيل ابنه هو نتاج التقصير في القيام بمهامه ومسؤولياته تجاه هؤلاء الأبناء ويجب محاسبته عن ذلك، فالأمر ليس حسب الأهواء والأمزجة، وإنّما هناك حقوق للطفل يجب تفعيلها لما فيه مصلحة الوطن.
إنّ بناء الشراكة الحقيقية بين البيت والمدرسة هي من الضروريات؛ نظراً للمستجدات التي يشهدها العالم، واستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، وشبكات الانترنت، مما أسهم في تسرب العديد من القيم والأخلاق والمبادئ التي تتفق مع أعراف المجتمع وقيمه، الأمر الذي يتطلب تحقيق التكاملية في التربية بين البيت والمدرسة، ولما لها من أهمية على معالجة مشكلات الأطفال من خلال اكتشافها والتعاون على إيجاد الوسائل التي تمكن المؤسستين من القيام بأدوارهم.
وقد اهتم التربويون بهذه العلاقة بين البيت والمدرسية ووضعت لها النظريات وأطرت في منظومة من الجوانب التي تساندها على تحقيق التكاملية في تلك العلاقة، وذلك لما لهذه العلاقة من أهمية على عملية التعلم وتنشئة الأبناء التنشئة الحقيقية. ومن بين هذه النظريات نموذج ابتسين وهي باحثة تربوية وقد عملت على صياغة تصور يحدد أولويات ولي الأمر ونوعية المشاركة التي يجب أن يقوم بها وتقوم على ستة عناصر أساسية هي: الرعاية الأبوية، والتواصل، التطوع، والتعلم في المنزل، واتخاذ القرار، والتعاون مع مؤسسات المجتمع، وظهرت أيضأ العدد من النظريات التربوية التي تعمل على وضع تصورات نظرية لهذه العلاقة، إلا أنّ ما يهمنا من ذلك هي مقدرة كل من الجانبين على القيام بواجبها وتحقيق الشراكة الحقيقية التي تسهم في خلق أجيال متعلمه تمتلك الحس الوطني، وتتمسك بالقيم والعادات والتقاليد المجتمعية بما ينعكس على الهوية الوطنية، الأمر الذي ينعكس إيجابا على الوطن، عندما نرى شبابا يتمتعون بالنضج الوطني والرغبة في العطاء والإخلاص لأجله، وفي ذات الوقت فإنّ الأمر يزعج المجتمع عندما يشاهد العديد من السلوكيّات السلبية والتي كان من الأجدى معالجتها في البيت قبل خروج هذا الشاب إلى المجتمع.