فلسفة التعليم.. مرجعية التعليم نحو المستقبل

 

حميد بن مسلم السعيدي

جاء الإعلان عن فلسفة التعليم من مجلس الوزراء كانطلاقة جديدة في مجال تطوير التعليم، بعد اعتمادها من المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المُعظم، إدراكًا من مقامه السامي لأهمية تطوير التعليم، وضرورة وجود قاعدة أساسية يعتمد عليها التعليم تمثل المرجعية الأساسية والطريق الذي يستند عليه واضعو منظومة التعليم في مجال التطوير ووضع الخطط ورسم السياسيات التعليمية، فهي المنهجية التي يجب أن تتواجد في كل عناصر المنظومة التعليمية، بما ينعكس إيجاباً على مخرجات التعليم، وفقًا للسياسات العليا التي تهدف إلى تحقيق الغايات والأهداف الوطنية من خلال تربية النشء وفقاً لمجموعة من الخصائص والصفات التي يجب أن تغرس فيهم بما يحقق الرؤية الشاملة لمنظومة التعليم، و"تُعرَّفُ فلسفة التعليم بأنها مجموعة من المبادئ والأهداف التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتُعدُّ موجهًا لبناء عناصر المنظومة التعليمية كافة وتطويرها، وتستند هذه المبادئ على مجموعة مصادر وأسس دينية وعلمية ووطنية ودولية".

وتهدف فلسفة التعليم إلى بناء الشخصية العُمانية من كافة الجوانب المعرفية والمهارية والوجدانية بما يحقق الشمولية والتكاملية في بناء الإنسان، وحتى يحقق التعليم هذه الغاية السامية، فقد اعتمدت فلسفة التعليم على عشرة مصادر رئيسية تُمثل الأركان الأساسية في بنائها منطلقة من الدين الإسلامي، والفكر السامي، والنظام الأساسي للدولة، والمجتمع العُماني، والحضارة العُمانية، والقضايا العالمية المعاصرة، والفكر التربوي المعاصر، والعهود والمواثيق، الرؤية المستقبلية للدولة، المصادر الأساسية التي تعتمد عليها في اشتقاق أهدافها ورؤيتها، ومن بين هذه العناصر نجد أنَّ الدين الإسلامي والفكر السامي والحضارة العُمانية جاءت في مقدمة هذه العناصر، وذلك نظراً لأهمية انعكاسها على الشخصية العُمانية والتي يجب أن تتحلى بمجموعة من الصفات والسلوكيات والمُعتقدات في إطار متطلبات التنمية المُستدامة. لذا فقد انبثقت وثيقة فلسفة التعليم من مكونات المجتمع الأساسية، من أجل خلق جيل من المتعلمين قادرين على مواكبة الحداثة ومتمسكين بإرثهم وحضارتهم وثقافة مجتمعهم، بحيث يضع لهم الإطار العام للشخصية العُمانية التي تتمسك بالهوية الوطنية وتمتلك من المهارات والقدرات العقلية التي تساندها على الابتكار والإبداع، بما يمكنهم من تحقيق الرؤية الشاملة من التعليم.

ولا ريب أن نجد الدين الإسلامي هو المصدر الأساسي في بناء فلسفة التعليم، وذلك لأنه المعتقد الديني الذي يؤمن به المُجتمع العُماني، لذا يجب أن يحسن تعليمه وغرسه في نفوس الطلبة، بما يتضمن من العقائد الإسلامية، والقيم والأخلاق الفاضلة، والمعاملة الحسنة، والتي شملتها الشريعة الإسلامية، وهذا هو غاية التعليم فالدين ليس أداء الفرائض فقط، وإنما بناء الإنسان بقيمه ومبادئه وأخلاقه، وهو جزء أيضاً من الممارسات الحقيقية التي يجب أن تكون شاهدة على سلوكياته في المجتمع وتعكس مدى تمكسه بالعقيدة الإسلامية.

ويُعتبر الفكر السامي لجلالة السلطان قابوس من المصادر الأساسية التي يجب أن تغرس في نفوس الطلبة، وبما ينعكس على الشخصية الاعتبارية للإنسان العُماني، والذي يجب أن يظهر الهوية العُمانية في جميع سلوكياته داخل المجتمع وخارجه، والتي تهدف إلى بناء المواطن القادر على القيام بواجبه في خدمة الوطن، والقادر على التعامل مع هذا العالم المتغير بكل كفاءة واقتدار.

ثم تأتي الحضارة العُمانية وما تمثله من إنتاج حضاري موغل في قدم التاريخ، ويحمل في مضامينه كفاح الإنسان من أجل إيجاد مظلة لمستقبله على هذه المعمورة، وما نشهده من إرث حضاري عظيم دليل على مدى مقدرة هذا الإنسان على بناء الحضارة، لذا فقد كان التاريخ العُماني مليئا بالإنجازات الحضارية في مختلف المجالات، التي أتثبت مدى مقدرته على التواصل مع الحضارات القديمة بدءا من الصين شرقاً وسواحل شرق أفريقيا حيت ساهم في نشر السلام والإسلام في أرجاء المناطق التي تواصل معها، وهذا التاريخ يجب أن يأخذ حقه في المدرسة العُمانية بالقراءة الناقدة والتحليلية لتلك الحقب الزمنية بما يمكن الطلبة من إنشاء الفكر نحو بناء حاضرهم ومستقبلهم.

أما العنصر الثاني الذي تتضمنه الفلسفة (12) مبدأ ترتكز على مجموعة من الأهداف والتي تمثل موجهاً لعملية بناء عناصر منظومة التعليم، والمطلع على هذه المبادئ والأهداف يجد أنها تتضمن بناء المواطن العُماني في صورته الحديثة، ويأتي في مقدمتها النمو المتكامل للمتعلم، والهوية والمواطنة، والعزة والمنعة الوطنية، والقيم والسلوكيات الحميدة، والتربية على حقوق الإنسان وواجباته، والمسؤولية والمحاسبة، والتربية على مبدأ الشورى، والتربية من أجل التنمية المستدامة، والتعليم مسؤولية وشراكة مجتمعية، وتعليم عالي الجودة، والعلم والعمل، ومجتمع المعرفة والتكنولوجيا، وريادة الأعمال، والبحث العلمي والابتكار، والتربية من أجل السلام، والتعلم مدى الحياة، ومن يقرأ هذه المبادئ يجد أن الحمل أصبح ثقيلاً على المؤسسة التربوية، وأن المسؤولية أصبحت عظيمة في تحقيق هذه المبادئ وما ينبثق عنها من أهداف، لأن تحقيق هذه الصفات في مخرجات التعليم، يعني أننا بحاجة إلى عمل مختلف عن العمل القائم، والوصول إلى هذه الغاية وتحقيقها يفتح أبواب المستقبل على هذا الوطن، فأي فلسفة وضعت هذه التكاملية في شخصية الطالب، إنما هي تعطي الصورة التكاملية للإنسان المعاصر والقادر على صناعة التغيير والتطوير في وطنه، وهذه الغاية الأساسية التي يجب أن تمتلكها مخرجات التعليم، لذا فإن هذه الفلسفة أصبحت مطلبا وطنيا لابد من تحقيقه في الواقع، والعمل على إيجاد السبل للوصول إلى هذه الغاية، فالطريق لن يكون سهل العبور، ولكن الرغبة الحقيقية في تغيير منظومة التعليم بما يتوافق مع غايات فلسفة التعليم، تسهم في تحقيق النجاحات الوطنية.

Hm.alsaidi2@gmail.com