اللجوء السياسي وسيلة لجمع المعلومات

 

د. يحيى أبوزكريا

 

يفد إلى الدول الأوروبيّة المانحة للجوء شهريّا عشرات الآلاف من طالبي اللجوء السياسي والإنساني ومعظمهم من العالم العربي والإسلامي والثالث، وحتى يحظى طالب اللجوء بالقبول وبالتالي حقّ الإقامة والعمل والمساعدة الاجتماعيّة – عبارة عن راتب يقدّم للاجئ وهو يكفيه لمأكله وملبسه -  في هذه الدولة المانحة للجوء يجب عليه أن يُعريّ وطنه والمؤسسات الحاكمة فيه تعريّة كاملة تكون كفيلة بذكر مئات المعلومات عن تركيبة نظام الحكم والعوائل أو جماعات النفوذ الصانعة للقرار السياسي وخارطة التيارات السياسية ومُفردات هذا المذهب أو ذاك وللإشارة هنا فإنّ من جملة الأسئلة التي يسألها المحققون الأمنيون لطالب اللجوء هل أنت شيعي أو سني أو بهائي أو زرادشتي إذا كان طالب اللجوء قادماً من إيران مثلاً. وقد سئل أحد طالبي اللجوء من دولة عربية عن سرّ الخلاف الفقهي بين علي خامنئي ومحمّد حسين فضل الله وهو خلاف فقهي دقيق لم يطلّع عليه إلا بعض المتابعين لهذا الموضوع ومن المهتمّين بالقضايا الإسلامية، وسئل آخر ينتمي إلى ما يعرف بالبدون في الكويت عن ظاهرة البدون في الكويت ومستقبلهم وتفاصيل مشكلتهم وفي النهاية حاز هذا الشخص على حقّ اللجوء باعتباره بدون وطن.

ويقول أحد المُترجمين العرب الذين يقومون بترجمة ما يقوله اللاجئون إلى اللغة السويدية، لو أنّ الأجهزة الأمنية في الغرب مجتمعة سخرّت ميزانيّة من مئات ملايين الدولارات وغرست آلاف العيون على امتداد العالم الإسلامي من طنجة وإلى جاكرتا لتحصل على معلومات دقيقة من قبيل ما يجمعونه من خلال ظاهرة اللجوء لما جمعوا مقدار عشر ما لديهم من معلومات جاءتهم عن طريق اللاجئين . وتتعامل الأجهزة الغربية مع المعلومات القادمة بشكل علمي دقيق ويتمّ أرشفتها جميعاً.

وهناك معلومات تحتفظ بها هذه الدولة المانحة للجوء لنفسها وأخرى تسوقّها ضمن مجموعة دول الاتحاد الأوروبي وأخرى تذهب إلى أمريكا وخصوصاً المعلومات المتوفرة عن متطرفين، وأخرى تذهب إلى الموساد وتحديدًا تلك المستقاة من فلسطينيين طالبين للجوء وما أكثرهم ومعلومات أخرى تستخدم لابتزاز دول عربية وإسلامية. وتقسم المعلومات إلى أقسام منها: معلومات سياسية ومعلومات عسكريّة ومعلومات علمية ومعلومات اجتماعية وذات صلة بالمجتمع وهلمّ جرّا ويلحظ لدى أرشفة المعلومات مصدرها وهناك اعتناء كبير بالمصدر ، فعندما يكون طالب اللجوء وزيرا أو وزيرا سابقا أو شخصا كان منخرطا في جهاز أمني أو تركيبة الحكم أو صحافياً فهؤلاء معلوماتهم تأخذ بعين الاعتبار والاهتمام أيضًا.

ويبقى طالبو اللجوء الذين ليس لهم مستوى ثقافي وحتى هؤلاء يجري حلبهم بطريقة معينة كأن يتمّ من خلالهم معرفة الواقع الاجتماعي وتفاصيل العادات والتقاليد. وتجزم المعلومات المتوفرة أنّ الدوائر المعنية بمنح حقّ اللجوء باتت تتمتع بخبرة واسعة ودقيقة بتفاصيل التفاصيل عن العالم العربي والإسلامي، فأصبح هناك الخبير بالجزائر وآخر بمصر وثالث بالعراق ورابع بلبنان وخامس بفلسطين وهكذا دواليك.

وهذه الخبرة تشمل المعرفة الدقيقة بالواقع السياسي وكيفية أداء الأجهزة الأمنية وحتى اللهجة المحكية يعرفها هذا الخبير، ويصادف أن يمسك الخبير الخارطة فيشير قائلاً هنا النجف وقرب هذا الحيّ يوجد هذا الحيّ وفي هذا الحيّ يسكن المرجع الفلاني أو الضابط الفلاني في معرض حديثه مع عراقي طالب للجوء مثلا. وإذا علمنا أنّ طالبي اللجوء في الدول المانحة للجوء ينتمون إلى معظم الدول العربية والإسلامية فمعنى ذلك أنّ العالم العربي والإسلامي بات مكشوفا ومخروما إلى النخاع، وتعتبر وفرة المعلومات عن العالم العربي والإسلامي عامل قوة للدول المانحة التي باتت تحسن استخدام كافة المعلومات في فرض سياسات معينة. وليس هذا فحسب بل إن الأداء الاجتماعي والمسلكي للمسلمين في الغرب بات محل ملاحقة ودراسات مستفيضة يقوم بها باحثون في أحيان كثيرة ينسقّون مع الدوائر التي تستجمع كل هذه المعلومات والغرض من تلك الدراسات هو التعمقّ في فهم المسلمين ليس على قاعدة التواصل معهم لكن على قاعدة اعرف عدوّك الذي جاءك إلى عقر دارك.

والإشكال أنّ العديد من طالبي اللجوء من العالم العربي والإسلامي يبادرون إلى إعطاء أكبر قدر ممكن من المعلومات عن بلادهم إيماناً منهم بأنّ ذلك سيساهم في حصولهم عل حقّ اللجوء سريعاً، وعندما ترى الأجهزة الغربية المحققة مع طالب اللجوء أنّ من المصلحة إبقاء هذا الشخص مربوطًا بها، فإنّه يهدد بعدم قبول طلب لجوئه اللهمّ إلاّ إذا تعاون مع هذه الأجهزة ويصبح عينًا على بني جلدته وبالمجّان في أحيان كثيرة وبدون مقابل . وبهذا الشكل تمكنّت الأجهزة المذكورة من غرس عشرات بل مئات العيون في المساجد ووسط التجمعات الإسلامية والجاليّات العربيّة . وبهذا الشكل يصبح المسلمون في الخارج – في الخارطة الإسلاميّة – والمسلمون في الداخل – ضمن الخارطة الغربيّة – تحت دوائر الضوء والمجهر، ومن غير اللائق السؤال لماذا بعد كل هذا انهزمنا وانتصروا هم؟!