د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج
علمنا من عدة مصادر أنّ الأوامر قد صدرت بإزالة سوق الحصن الشهير، وتم تحديد منتصف شهر ديسمبر المقبل للإخلاء ومن ثم الهدم، وقد وجهت فعلا إنذارات لأصحاب المحلات بقطع التيّار الكهربائي عن محلاتهم في ذلك التاريخ، وهنا نتساءل عن البديل؟ وعن الفترة الزمنية السريعة لإعادة بناء هذا السوق التاريخي والسياحي والتجاري؟ إذ لا يمكن التفكير في هدمه دون إيجاد البديل المؤقت، ودون الإسراع في إعادة بنائه، ودون الأخذ بعين الاعتبار فقدان مجموعة من شبابنا مهنتهم ووظائفهم.
لدينا قلق مرتفع من أن يدخل هذا السوق في فقدان الرؤية وفي غياهيب التمطيط والتطويل والتأجيل، ومن ثم تفقد سياحتنا الإقليمية معلما من أهم المعالم التي تشكل عنصر جذب للزوار والسياح، والسوق تقليدي يرتاده يوميا وعلى مدار السنة السياح، ليس فقط في فصل الخريف، بل حتى السياح الأوربيين في فصل الشتاء، ونجده دائما في حركة تجارية وسياحية نشطة، ويقع هذا السوق في موقع يأخذ خصوصيته الاستثنائية من أشجار جوز الهند التي تحيط به من جهتين وكذلك بحر العرب في امتداده مع المحيط الهندي، وقصر الحصن العامر الذي يعد أهم القصور السلطانية، ومنه شهد بدايات التغيير وقيام النهضة العمانية المباركة، كما يزخر السوق بالعديد من المنتجات سواء المنسوجات التقليدية المتنوعة، أو الملابس التراثية، أو المصوغات الذهبية والفضية، وغيرها الكثير من المصنوعات التقليدية.
ولن تجد زائرا أو سائحًا يزور ظفار إلا وفي أجندته زيارة هذا السوق، وربما يوميا، مما يصبح السوق مقصدا سياحيا بذاته، بل إنّ هذه المنطقة كلها من قصر الحصن العامر وحتى موقع البليد الأثري، تملك فرصا سياحية مواتية لدعم جهود التنوّع الاقتصادي في البلاد، لكنها تتحطم فوق صخرة المشاريع المتعثرة في محافظة ظفار، فهذه المنطقة الرائعة الواقعة على بحر العرب، لو توفرت لها الرؤية والإرادة التنفيذية منذ عام 2004، لكفى بها ولوحدها أن تشكل مشهدنا السياحي الإقليمي الواعد، فكيف، بمحافظة مثل ظفار، كل بيئاتها، الصحراء والنجد والريف والسهل والساحل، تملك مقومات السياحة المتكاملة وعلى مدار العام، أين الخلل؟
فلنتصور المشهد السياحي في طوال هذا الشريط الساحلي الجميل، لو كانت لها رؤية سياحية واضحة منذ البداية، ونفذ مشروع التطوير السياحي بثنائية الأصالة والمعاصرة، لكانت هذه المنطقة الآن ضمن المناطق السياحية العالمية اللافتة التي تجذب لوحدها السياح من مختلف أنحاء العالم، لكن هذا لم يحدث حتى الآن للأسف، رغم أنّ المرسوم السلطاني بتقرير صفة المنفعة العامة لمشروع تطوير منطقة الحافة قدر صدر عام 2004، لكننا كلنا أمل الآن بعد أن تمّ إنشاء شركة الحافة للتطوير والاستثمار التي تقف داعمة وبقوة لهذا المشروع الوطني المهم، ويراهن عليها بأن تشكل وسيلة ضغط فاعلة في الإسراع بتنفيذ مشروع تطوير منطقة الحافة.
إذن.. كيف تتم إزالة هذا السوق دون وجود البديل ولو مؤقتا، أو دون وجود رؤية استثمارية مستقلة وعاجلة له؟ هذان التساؤلان نوجهما لمكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار، بصفته هنا على الأقل، المسؤول عن التنمية الإقليمية، بصرف النظر عن مسؤوليته على المشروع من عدمه، وكذلك لوزارة السياحة المعنية مباشرة بقطاع السياحة، وللمجلس الأعلى للتخطيط، فلدينا الآن تجربة سلبية مع سياسة الهدم، فهذه السياسة لم تكن وراءها رؤية واضحة، ولا خطط جاهزة لمرحلة ما بعد الهدم، وإنما الهدم من أجل الهدم أولا، ومن ثمّ ننتظر إعادة بنائه بآفاق مفتوحة زمنيا ثانيا، ودليلنا، مشروع تطوير منطقة الحافة الذي غرق في مسيرة طويلة من التعثر والتأجيل رغم هدم معظم المنازل التي عددها (495) منزلا متفاوت الأحجام، كما لا تزال بعض ممتلكات بعض المنازل والبساتين والمزارع لم تسو حتى الآن.
إذن.. الهدم من أجل الهدم، سياسة يجب أن تتوقف فورا، خاصة مع هذا السوق الشهير، لمركزيّته السياحية والتاريخية والتجارية، ومميزته الفريدة التي تعبق برائحة اللبان الظفاري بكل أنواعه، حتى لو توفرت له الآن الرؤية الجاهزة، والتنفيذ السريع، والانجاز القصير المدى – ونشك في ذلك – لابد من السوق البديل المؤقت، ما عدا ذلك، فسياسة الهدم يجب أن تتوقف، لأننا سنخرج من مقوماتنا السياحية أهم معالمها الاستراتيجية.
كما إنّ هناك بعدًا آخر يقف وراء فتحنا لهذا الملف، وهو التأثير السلبي لسياسة الهدم على بعض الشباب العاملين في هذا السوق التقليدي، وفيه بعض المحلات (دكاكين) منذ عام 1974، تمسك بها أصحابها، وخلفهم أبناؤهم بعد وفاتهم مثل (دكان) بن عسكر وغيره، وهؤلاء الأبناء قد أصبحت التجارة مهنتهم الوحيدة، ومنها يعيلون أسرهم، فماذا سيكون مصيرهم؟ سيجدون أنفسهم بعد منتصف الشهر المقبل دون وظيفة، وهنا نكرر التساؤل نفسه، كيف تتم عملية هدم السوق دون وجود البديل المؤقت؟ وكذلك، لماذا لم يأخذ بعين الاعتبار الشباب الذين سيفقدون مصدر رزقهم الوحيد؟ وهذه جوانب إنسانية اجتماعية، بل إنها تدخل في صلب حقوق المواطنة، فتأمين وضمانة حق العمل من أبرز حقوق المواطنة، وقد التقيت ببعضهم، وأبدوا لي استياءهم من قرار الإخلاء دون توفر هذا البديل، وعدم الأخذ بعين الاعتبار تأثر مصدر رزقهم.
لذلك.. لابد من توفر البديل الموقت لهذا السوق التقليدي الشهير قبل إزالته، وفي عين المكان نفسه، وهذا مطلب الأهالي في هذه المنطقة، ويتقاطع معه مطلب التجار، كما أنّه يشكل ضرورة سياحية، للأسباب التي ذكرناها سابقا، ودون ذلك، سيغرق هذا السوق في مشروع تطوير الحافة مهما كانت آجاله الزمنية الجديدة – إن كانت هناك – لأنّه سيترك فراغا في مقوماتنا السياحية، لا ينبغي أن يحدث ذلك أبدا، ما دامت هناك حلول ممكنة، وإلا ستفقد سياحتنا الإقليمية أحد أهم معالم بريقها السياحي، فهل سيتم التراجع عن الهدم حتى توفير البديل المؤقت؟
التساؤل يحمل في طيّاته مطلبا عاجلا حتى يتم استدراك خطأ الهدم من أجل الهدم دون توفر البديل المؤقت، فهل وصلت رسالتنا؟ ومن سيحمل هاجسها السياحي العاجل من تلكم السلط التي خاطبناها مباشرة؟ ونتمنى من شركة الحافة للتطوير والاستثمار جعل هذا الموضوع في أولى أجندتها أثناء اللقاء المرتقب بعد أسبوعين مع شركاء التطوير من الجانب الحكومي والعمومي، وأخيرا نتساءل: أين وصل مشروع تطوير منطقة الحافة بعد كل تلكم السنوات المتعثرة؟ ربما يكون لنا مقال خاص للإجابة عن التساؤل الأخير.