كيف نعزز الثقة بين الحكومة والقطاع الخاص؟

 

 

خلفان الطوقي

 

تاريخيا تم تأسيس بعض الشركات الكبرى بمبادرات إمّا من القطاع الخاص تارة أو القطاع العام تارة أخرى، فعلى سبيل المثال شركة المطاحن العمانية أسستها أربع شركات عائلية وبعدها تشاركت مع الحكومة من خلال مبادرات ومفاوضات، والحكومة نفسها أسست شركة أسمنت عمان وبعدها شاركت القطاع الخاص إلى أن أصبحت شركة مساهمة عامة، وتكررت التجربة مع تكوين شركات أخرى ومعظمها ناجح ومربح ومستمر إلى الآن، والعوامل المشتركة فيها كما هو واضح (مبادرة وفكرة وحوار وتفاوض واتفاق وتنفيذ).

 

الوضع الحالي تغير وأصبح هناك سكون وبرود من الطرفين، وليته ظلّ على هذا السكون؛ بل تعدى ذلك إلى الملامة والاتهام، فالحكومة تتهم القطاع الخاص والشركات العائلية بالتردد وتقليل المخاطرة والرغبة في الاستفادة القصوى من التسهيلات الحكومية دون أي تضحيّة منها والبحث عن فرص استثمارية مضمونة كالودائع البنكية أو الأسهم والسندات المحلية أو العالمية أو تركيز الاستثمار في قطاع العقار؛ وفي المقابل فإنّ القطاع الخاص والتجار يرددون بأنّ الحكومة لا تقدم تسهيلات بما فيه الكفاية بل تعقد الإجراءات وتشدد القوانين والتشريعات خاصة فيما يخص العمالة ونسب التعمين، ولا تتعامل بمهنية واضحة وثابتة وشفّافة بل في كثير من الأحيان تتحكم في القرارات أمزجة شخصية، وترفع الرسوم والضرائب بدلا من مراعاتها خاصة في أوقات الأزمات الاقتصادية كالوضع الحاصل هذه الأيام.

 

الخلطة الناجحة في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات في تكوين الشراكات الاستراتيجية بين الحكومة والقطاع الخاص هي لست خلطة سحرية، بل هي جهد بشري صادق الغاية منه قيام مشاريع مربحة للجميع، لم تكن في تلك الأيام خلطات معقدة ومبادرات وأجندات وإعلام صاخب كمبادرة تنفيذ أو شراكة أو غيرها من اللجان والفرق، ما نحتاجه الآن هو أن نعود للتاريخ قليلا ونستكشف لماذا نجحت تلك المبادرات بالرغم من قلة الإمكانيات؟ ونجمع هذه العوامل وتطويعها في قالب تجاري، ويتم تنفيذه حسب الأطر القانونية التي تحفظ حقوق الشركاء في أي مشروع.

لتحريك المشهد وجعل المياه ديناميكية لابد من القيام بخطوات عملية وأولى هذه الخطوات تكوين فريق تفاوضي مؤهل علميا واقتصاديا وتحديد عدد من المشاريع الاستثمارية المحلية، والاجتماع برجال الأعمال والشركات العائلية والصناديق الاستثمارية الخاصة والحكوميّة، واستعراض هذه الأفكار الاستثمارية عليهم والاستماع إلى مخاوفهم وشكوكهم وإزالة ما يمكن إزالته، على أن تكون هناك تنازلات وتضحيات من الطرفين، إلى أن يصل الطرفان إلى نقاط مشتركة يتم من خلالها تحويل الأفكار إلى واقع مفيد للجميع.

فوائد الحوار الجاد والشراكة الحقيقية بين القطاعين متعددة منها إقناع القطاع الخاص للقيام بالمشاريع النوعية والإنتاجية وعدم الإصرار على الاستثمار التقليدي أو الاستثمار المحلي المصحوب بدون مخاطر، وتنويع مصادر الدخل وبناء اقتصاد متكامل، وتشجيع الاستثمار الأجنبي على القدوم إلى السلطنة وذلك بسبب إيمان المستثمرين المحلين بعمان، أضف إلى هذا وذاك تعزيز الثقة بين القطاعين يساعد ويشجع على تكرار هكذا مبادرات وشراكات استراتيجية مستمرة، الآن وليس غدا هو الوقت المثالي لهذا الحوار الجاد بعيدًا عن تبادل التهم والاتكالية وتضيع الوقت والبحث عن المبررات ولوم بعضنا بعضا، فالمياه الراكدة لن تتحرك إلا من خلال رجالات دولة أشاوس بعلمهم وخبرتهم الاستثمارية ومبادرات صادقة ورؤى عميقة ترى ما لا نراه.