النجاح.. "صناعة ألمانية"

 

 

حسين الغافري

HussainGhafri@gmail.com

يُقال في النجاح إنَّه محصلة اجتهادات صغيرة تتراكم يوما بعد يوم، ويقال أيضاً بأن سر النجاح هو الثبات على الهدف.

من جديد، فقد تصدرت ألمانيا المشهد الرياضي العالمي هذه الأيام بعد فوز منتخبها الشاب ببطولة أوروبا تحت 21 سنة بهدف نظيف على نظرائهم الأسبان في كراكوف البولندية. والليلة، يخوض منتخبهم الأول في العاصمة موسكو ختام نهائي كأس القارات عندما يُقابل المنتخب التشيلي بطل القارة الأمريكية الجنوبية. بِغضّ النظر عن فوز المُنتخب الألماني من عدمه -هذا المساء- إلا أن مُشاركتهم بصف ثانٍ للمنتخب الأول ووصولهم إلى النهائي مع تقديم كرة قدم على مستوى عالٍ أثبت أنهم في مأمن لسنوات قادمة وبأن تعاقب الأجيال التي تضمن بقاءهم في القمة مُستمر.

مُنذ أكثر من عامين تقريباً، ألفتُ كُتيبًا صغيرًا بعنوان "الاحتراف الرياضي"؛ تطرقت في أحد فصوله إلى نجاحين؛ هما: "لا ماسيا" التابعة لبرشلونة الإسباني و"السياسة الرياضية الألمانية" وهما مدرستين كرويتين تُعدان الأنجح تقريباً في أوروبا.. والعالم كذلك. ذكرت في السياسة الرياضية الألمانية بأنها ركّزت بشكل كبير على صناعة الرياضي مُنذ نعومة أظافره، ولذلك نُشاهد اليوم قُدرات بشرية كبيرة بحوزة المنتخب الألماني في مختلف مراحله. وأستذكر القرار الشجاع الذي مهّد هذا النجاح من قبل رابطة الأندية الألمانية عام 2001م، والذي أجبر كل الأندية المحلية على إنشاء أكاديميات ومدارس رياضية على مستوى عالٍ، تستقطب من خلالها المواهب الصغيرة وتهيئ لها البيئة المناسبة للتطور في سن مبكرة.

وفي الوقت الحاضر، تُشكّل هذه المدارس الحاضنة المهمة في تطوير الرياضة الألمانية بصفة عامة وصقلت مواهب كبيرة تنشط اليوم في كبرى الدوريات العالمية وحقق أغلب روادها كأس العالم 2014 في البرازيل، ووصلوا إلى نصف نهائي العالم قبلها مرتين متتاليتين الأولى عند استضافتهم للبطولة في 2006، والثانية في بطولة كأس العالم بجنوب إفريقيا 2010، بعدما أُخْرِجوا في مُباراة مثيرة من البطل المنتخب الأسباني بهدف المدافع كارلوس بويول. من هؤلاء الحارس العملاق مانويل نوير والنجم أندريه شورله وفيليب لام وتوماس مولر وماريو جوميز وسامي خضيرة وغوندغان وشفاينشتايجر وأوزيل، والقائمة تطول ممن أنتجهم أكاديميات ومدارس الأندية المحلية.

نجاح الرياضة الألمانية يتواصل حتى اليوم، ومحل إشادات كبيرة ومستمرة من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم؛ سواء في بِناء الأكاديميات والمدارس أو حتى التربية الرياضية والطب الرياضي ومشاريع تطوير البطولات المحلية. كل ذلك أسهم أيضاً في عملية تطوير الدوري المحلي وانعكست كل الجهود في صناعة دوري متطور ينشط 20% تقريباً من محترفيه الحاليين من الألمان الذين تخرجوا من المدارس المحلية والأكاديميات، فهم إلى جانب اهتمامهم بالموهبة الرياضية يركزون كذلك على تعليمه وصنع مستقبل دراسي يدعم نضوجه الفكري بشكل سليم.

وختاماً.. النجاحات الرياضية والتطوير سلسلة مترابطة من حلقات مختلفة تشكل في كُل لبناتها جهودا كبيرة واسعة، ولكن لا خِلاف على أن المدارس الكروية والأكاديميات ضرورة في مشاريع الاحتراف الفعلي وبدونها السلسلة تبقى ناقصة. نملك مواهب كبيرة وخامات رياضية على مستوى عالٍ، ولكن نفتقد إلى توفير مدارس وأكاديميات رياضية جاذبة تحتوي على ما نملك من إمكانيات. نحتاج أن نستلهم الطريقة الرياضية الألمانية بما يتناسب.