"أنا يوسف يا أبي"

زينب بنت محمد الغريبية

"أنا يوسف يا أبي. 

يا أَبي، إخوتي لا يحبُّونني، 

لا يُريدونني بينهم يا أَبي.

يَعتدُون عليَّ ويرمُونني بالحصى والكلامِ

يرِيدونني أَن أَموت لكي يمدحُوني..."

قصتك يا بُني يا يوسف هي قصتي، وهي قصة أزلية، وكذلك أبدية، قصة شعوب، ودول، وأفراد، قصة إنسانية توجد ما وجدت البشرية بما تحمله من بشر يختلفون ويحقد بعضهم على بعض بما حبى الله بعضهم على بعض. فهل سيحقدون عليك لو لم أحببك أكثر؟! أم هل سيحقدون عليك لو لم ترَ الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا لك ساجدين؟! 

يا أبي أنا في الزمان أعود، وبكل شكل أكون، كل ما حدث واختلف الإخوة في رأي، أتى الذئب ليحمل القضية، حمّلوه القضية، وهي في الأساس في نفوسهم، يختلقون الدماء والقصة المنقولة لك في كل مرة، وهي القصة ذاتها وإن اختلفت في شكلها، تحمل ظاهرًا باطنه الاختلاف الذي أدّى إلى الحقد والكراهية، فهل نجعل ذلك يودي بنا دائماً إلى أن أُرمى في البئر، وربما تختلف بعدها التفاصيل فقد يأتي سيّارة لإنقاذي، وقد أبقى في البئر وأُنسى حتى الموت! وقد أُقدم ضحية للذئب فعلاً وتجد دمًا حقيقياً وليس كذباً يا أبي.. 

يا أبي قد كانت بداية قصتي وقد التف إخوتي حول هدف واحد، والدافع كان واحدًا، ولكن ما يؤلمني أنه في كل مرة يتكرر الموقف قد يلتف إخوة لي ومعهم من أعدائي وأعدائهم، إلا أنهم يتفقون معهم ضدي!! ألأني اختلفت معهم في شكلي؟! ألأن شكلي لم يرق لهم؟! أنسوا أننا خلقنا في رحم واحد؟! وشربنا ذات اللبن من أمنا الحنون؟! وحملنا في عروقنا دم أبينا وأمنا!! عشنا في نفس البيت، وتربينا سويًا، وترعرعنا في نفس الطرقات وعلى نفس الهمسات، وحين صرنا كباراً، وخلنا أنا رشدنا، تفرقنا، أصبح أمرنا شتاتاً بيننا! أ لأن الذئب يتربص بنا؟! أم لأننا نحب أن يتربص بنا؟ ونختلق قصته من أجل أن يُفرقنا؟! 

يا أبي أترانا نحتاجك كي تلم شملنا؟ أم أننا نحتاج إلى أنفسنا؟ أم أن الذئب قد غوى بنا وانتهى أمرنا؟! رجوتك يا أبي دلني ما السبيل إلى رأب الصدع بيننا؟! أنظل ما بين تعال امشِ على طريقي وإلا فإنك عدوي! فلماذا لا يمشي كل منِّا في طريقه باختياره؟! ويبقى هناك حكم أعلى هو أعلم بنا ومسالكنا، فلما نحن من نحكم؟ ونحن من يضع الحد؟ فبالله عليك يا أبي أتدري من منِّا هو الصحيح؟ 

أستحي يا أبي أن أُذكِّر النَّاس بأننا "خير أمة أخرجت للنَّاس" فهل ما زلنا أمة؟ أم أنا شتات؟ هل ما زال الذئب يرانا أمة؟! أم أنَّه مستعد لنجعله الشماعة وراء كرهنا وأحقادنا؟! لابد أنه سعيد بذلك، فما زال الذئب يا أبي يبحث جاهداً عن فرائس يخمد بها جوعه ما بين الفينة والأخرى، يعجبه اختلافنا ليجدنا مُتفرقين وينقض علينا ونحن ضعفاء بتفككنا.

أنكون أمة يا أبي ونحن نلطخ تراب أراضينا من دمائنا بأيدينا وأيادي الذئاب التي تقبض ثمن أرواحنا منِّا أضعافا مضاعفة، تضحك علينا في الخفاء، وتمص دماءنا يابسة وسائلة، ويلاه يا أبي لم نعُد أمة، بمن أستصرخ يا أبي أخبرني؟ أيوجد مُعتصم؟ أم خالد؟ أم صلاح الدين؟ أم موسى بن نصير؟ أم أنَّ كل هؤلاء قد ماتوا يا أبي؟ أم أنَّ الذئب هو من رشّح نفسه ليكونُ المنقذ لنا ورضينا؟ 

يا أبي في الجهل عن الحلال والحرام البينين، فلتسول لنا أنفسنا من الغي دون الرجوع لمصدر قد وجد، ولكن في زمان نملك البينة من الأمر، ونعلم أين الخط الأحمر الذي يجب أن يكون فيه الحق حقاً دون اختلاف، فهل نُعذر حينها يا أبي؟ هل نقول غوى بنا الشيطان في لحظة لم نتمالك فيها رشدنا؟! أعلم أنك لن تتعجب لما أقول، فإنك به أدرى وأعلم، فإن كنت لا تملك لنا نصحًا ولا دعمًا، رجوتك يا أبي ألا تنسانا من الدعاء، فدعوتك المقرونة بالدمعة، هي من أعادتني إليك ذات يوم، وهي من أصلحت حالي بعد أن رميت في غيابات الجب.

يا درويش تعال لنقف على عتبات الشعر، فما لنا سوى التغني عله يوما يجد صداه، ولعلّ أبي يجد لنا حلاً، ولعل الحل بيننا حائر، يحتاج لمن يفتش عنه، ولعل من يفتش عنه يكون بيننا، ولعله يجده يومًا ما، ولعل هذا اليوم قريب، وربما يكون بعيدًا، ولكن يا أبي أجبني ولو لمرة واحدة: هل ستنتهي يوما قصتي؟ هل سأكون أنا النهاية؟ ومن سيكتب نهايتي؟ هل لك يا أبي دراية؟ 

فماذا فعَلْتُ أَنا يا أَبي،

ولماذا أَنا؟

أَنتَ سمَّيتني يُوسُف، 
وهُمُو أَوقعُونيَ في الجُبِّ، واتَّهموا الذِّئب. 
والذِّئبُ أَرحمُ من إخوتي..