المعتصم البوسعيدي
أمسكتُ بالقلمِ لأضع خارطة ذهنية للمقال القادم متفقًا مع نفسي أن يكون عبر نافذة "محطات" العنوان الذي أطُلُ فيه بين الفينة والأخرى على القارئ العزيز؛ متأملاً سيرة نجوم الرياضة لاستخلاص الفائدة والعبرة سواء كانت للحياة بشكل عام، أو للرياضيين والرياضة المحلية بشكل خاص.
لا أعلم كيف قادتني الشبكة العنكبوتية لاسم رياضي ـ بصراحة ـ لم أكن أعرفه حتى لحظة كتابة هذا المقال، هو مصارع مغربي هولندي من مواليد العام 1984م مُتخصص برياضة "كيك بوكس" وبطل العالم في بطولة "الكي وان"، ومن بين 73 مباراة فاز بـ66 منها وخسر 7 وكان نصيب فوزه بالضربة القاضية 53 مباراة، حقق بطولة 2007م لوزن (100 كيلو) أمام الياباني "ياسكي فجيهتو" من الدور الأول وبالضربة القاضية، وكان على موعد مع اللقب العالمي "k-1" لكنه خسر رغم فوزه بالضربة القاضية على منافسه "ريمي بونجاسكي"!؛ وذلك بسبب خطأ تقني بعدما استمر في ضرب منافسه وهو على الأرض، ليخسر البطولة إضافة لمبلغ 400 ألف دولار، ذلك هو "بدر هاري" بطل محطتنا لهذا اليوم.
البطل المغربي عاش تناقُضات كبيرة، وجدليات مُثيرة، وصف بالمتمرد الثائر وعُرف بالنجم الناجح، لم يكتفِ بدور البطولة في الحلبة؛ بل وخارجها، تغلب على بدايات حياته في "الأحياء الهامشية بهولندا" وصار بطلاً ومحبوبًا وملهمًا للأجيال، "صنع اليابانيون دمى تشبهه بيعت بالآلاف"وتبارى الروائيون لكتابة سيرته حتى وصلت لخمس سير ذاتية، أبرزها "لعبد القادر بن علي" بعنوان "الفتى الشقي" والتي ستتحول ـ حسب ما ذكر الكاتب ـ لفيلم سينمائي، وللأسف لم أقع حتى الآن على أي سيرة من هذه السير للتعرف على شخصية بدر هاري عن كثب، لكنني تفاجأت بكم الأحداث المذكورة من هنا وهناك والممزوجة بخليط البطل المحبوب صاحب المواقف المشرفة، والبطل المكروه "خريج السجون" الذي عاش عنصرية أورثته العنف!!.
في هولندا تملكت الصحافة الدهشة من فتاة حسناء هي بنت أخ الأسطورة الهولندية الراحل "يوهان كرويف" تركت زوجها الأسطورة الكروية الأخرى "ريد خوليت" من أجل عيون المغربي الشقي، لكن بدر هاري صاحب مواقف نبيلة تنم عن يد بيضاء؛ فهو الرجل الذي قام "بتوفير أضحية 200 أسرة من فقراء مدينة القنيطرة، كما قرر بناء أقسام للدراسة لأبناء المعوزين من ماله الخاص، وهو أيضًا من حرّك رصيده المالي ليدفع نفقات أكثر من 40 عملية جراحية لأناس لم يكن لهم من مُعيل"، بدر هاري مسكون بقضايا الوطن والأمة؛ فحين راج ما يُسمى "بتحدي الثلج" قال في صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك: لن أكون طرفاً في تحدي دلو الثلج، هذا هراء تجاري، الجميع أغلق عينيه عندما يتعلق الأمر بفلسطين، حسنًا.. سأغلق بدوري عيني على تحدي دلو الثلج.
لطالما أحب بدر هاري وطنه الأم المغرب التي عدها راحته من الشقاء، واسترخائه من العناء، روج لها سياحيًا واستضاف عديد النجوم والمشاهير من بينهم نجم الكرة العالمية وأفضل لاعبي العالم البرتغالي في الوقت الحالي "كريستيانو رونالدو"، روي عنه ـ أيضًا ـ أنه جلس مع معتقلي أحد السجون المغربية ليرفع معنوياتهم ساردًا لهم تجربته في السجن والتي خرج منها قويًا ووصل إلى ما وصل إليه من نجومية وشهرة، قبل أن يُسجن هو بعد ذلك في عز شهرته لقضايا متعددة.
يبدو أنَّ محطة البطل المغربي تستدعي البحث وقراءة سيرته بتمعن وتعمق أكبر، والتأمل في كافة تفاصيل حياته، هو بطل عربي عشقته الجماهير، وبالرغم من أنه في العقد الثالث من عمره إلا أنه حظي بتناول كتابي من مختلف الكُتاب على تعدد مشارب معرفتهم؛ فكتب عنه عالم اجتماع، وأستاذ في تاريخ المجتمعات وروائيون كما ذكرنا سابقًا، ولا أدري لماذا أشبه هذا البطل بقضيتنا العربية المليئة بالتناقضات؛ ابتسامة سلام ومحبة ما تلبث أن يخرج منها ناب كراهية واحتراب، نسأل الله أن يلملم شتاتنا، ويرأب صدعنا، كما نتمنى أن يكون بدر هاري درس حياة ومثالا يُقتدى به في صالحات أعماله وفي همته ومثابرته البطولية.