صورة العرب ما بين الأمس واليوم

زينب الغريبيَّة

لَا أُحِبُّ الحديثَ في السياسة ولا الخوض فيها، ولا أحب التصريح بتحليلاتي حولها؛ لأنَّني أعرفُ أنَّ مَكانها ليس على الملأ، فلن تَجِدَ صداها، ولكن صورة القائد العربي لا تكاد تبرح مخيلتي، ويضيق صدري بها، كاريكاتير مُؤلم يمثلها، حين يمثل شعوبنا في اجتماعات بين الأمم، وبهذه الصورة التي أتفادى النظر إليها، يتعمق الجرح، ويزيد الشعور بالهوان علينا.

يأتي على العرب الزمن ويزداد شعورهم بالهوان، منذ أن كنا صغارا، ونحن نسمع عن ضعفنا نحن العرب، وهيمنة الغرب السياسية والاقتصادية، وبالتالي هيمنتهم الثقافية والحضارية، إلا أن ما يحزن حقا، أن هذا الهوان يكبر معنا، ساعة حدوث "الثورات" في كل أنحاء الوطن العربي ظن كثيرون أن الحياة ستدب، وستبدأ الشعوب العربية تفيق من هوانها، وربما ستتقدم للأمام، وتلحق بركب الأمم المتقدمة في ميدان العلم والمعرفة والفنون والاقتصاد، وتصبح مثالا يحتذى به في التنمية؛ وبالتالي يجعلها ذلك مُهابة بين الأمم يُحسب لها حساب، كما يُحسب اليوم حساب لكثير من القوى من حولنا، وهي القوى التي ظلَّت مُستقرة في وقتٍ تتمزَّق فيه أوصال الوطن العربي، ويزداد ضعفه، وتزداد استهانة العالم به؛ لدرجة أنَّ كثيرين استمرؤوا هذا الهوان ولم يعد يحرك فيهم أي شعور يذكر، وكأن الأمر لا يعني أحداً.

يَكْفِي لأيِّ أحد لكي يُدرك حجم الهوان أنْ يتأمَّل صور ومواقف الحكام العرب، في نمط شخصياتهم حين يلتقون بحكام الدول الكبرى، في قوة شخصياتهم وهم يواجهون العالم، في مواقفهم الصارمة وإن كانت لها عواقب وخيمة، هل قاد سقوط جبابرة الحكم في الوطن العربي، إلى سقوط ما تبقَّى من هيبة العرب أمام الهيمنة الغربية، لم يشعر العرب بالإنصاف ممكن حكموهم سابقا، كانت معاناة عظيمة، ولكن ماذا أضاف لهم "الربيع العربي"؟ هل تحسنت الحياة؟ هل خفَّ الهوان؟ أم ماذا جنينا؟ كلها أسئلة تطرح أمام كل موقف أو مؤتمر نشاهد فيه الرؤساء العرب حين يلتقون بغيرهم من رؤساء العالم، وبعضهم يقود دولا ذات ثقل كبيرة جدا سكانا ومساحة وتاريخا، فكيف يكون الشعور حين يشاهد الآخر متعاليا عليه، ألا يمثل ذلك استهانة بالدولة التي يمثلها؟

كنا نُتَابع في نشرات الأخبار لقاءات القادة العرب بغيرهم من الغرب والشرق، كان القائد العربي بجبروته الداخلي يظهر في القمم والتجمعات العربية، يستقبل استقبال الملوك، ويُعطى اهتماما في الحوار، ويجلس بهيبته وجبروته، وهذا الذي لا تزال قنوات التواصل الاجتماعي تظهره لنا في فيديوهات يظهر فيها الحاكم العربي السابق بهيبته بينهم سواء كان في العراق أو مصر أو سوريا أو في غيرها من الدول العربية، لست هنا بصدد الدفاع عن أنظمة معينة، أو تمجيد أسماء محددة، ولكن بصدد مقارنة بين عهود مضت وعهود حاضرة، يتضح فيه للمبصر كيف  صارت هيبة الدول العربية.

لقد شاهدت في قمم الرياض الأخيرة مشهدا آلمني كثيرا؛ حيث جلس رئيس دولة عربية أمام الرئيس الأمريكي وهو غير واثق من نفسه، يتلعثم في الحديث من مهابة الموقف، في وقت يُعْطِيه الرئيس من الكلام بكلِّ هوان ما لا يليق بحاكم دولة عربية، وفي المقابل يردُّ عليه الآخر بسخرية ويضحك الأول، قمة الهوان الذي وصلنا إليه، يأذن بعضهم بدخول نساء لا يلبسن اللباس الشرعي مُخالِفِين توجهات من سبقهم حتى يثبتوا للزائر أنهم مرنون، ويباح في موقف واحد من التقليل من الحشمة ما لا يباح في مواقف أخرى داخلية.

صُوْرَة قديمة تجمع قمَّة عالمية، ومشهد فيديو قديم يظهر استقبال قائدي العرب، وطرق جلوسهم، واعتدادهم بأنفسهم أمام العالم، وما وصلنا إليه اليوم من صورة قد لا يوجد عليها حكام لكثير من الدول العربية التي أصبحت بلا قادة، أو حكومات تنقصها الشرعية، أو غير ذلك مما جلب لنا الهوان، تجعلنا نتمنى أن نعود صغارا، لا ندرك ما معنى الصورة التي نشاهدها اليوم، ولا دلالاتها النفسية المؤلمة.

وما يزيد الطين بلة، مواقفنا الداخلية من بعضنا، فنحن نتجاهل دلالات الصورة، ونمضي في السخرية على القائد الأقوى والأكثر هيبة مهما بدا أَبْلَه، ونلتقط مشاهدَ هامشية من الصورة، لنُظْهِرها ونمضي نمجدها وأخرى ننسفها، ونبدأ بتحليلات كل حسب هواه، ومن منطلقات دينية مذهبية، وهي منطلقات الحوار السائد بيننا حاليا على كافة المسارات، لا سيما فيمن يمثلون النخبة المثقفة.

حينما نقارن الصورة الحديثة السابقة بصورة أخرى تجمع أهل الدار العربي لوحدهم، لرأيت ملامح وتعابير أخرى تسيطر على الوجوه، فهل قلبنا الآية: "أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين" (المائدة:54)؟ بل يبدو الخلاف بينهم هو السائد، وحب الهيمنة والسيطرة، بل ويتعدى الموضوع بأن يقود الموضوع المنطلق الديني المذهبي، ونخرج من تلك الصورة لواقع ينعكس على نفسيات المواطنين الممثلين لتلك الدول، ليواصلوا التوسُّع في تطبيق ما ورد فيها.

فماذا نقول حين تستقوي دولٌ صغيرة بالكلمة وتسجل المواقف المصيرية، وهي لا تملك من الأمر شيئا، لا تملك الجيش، ولا العدة ولا العتاد؟ غير آبهة بما قد يترتب عليه من حروب وزيادة في شتات الأمر، ماذا نقول حينما تبدأ في الهجوم بشتَّى الأشكال على جاراتها؟ وماذا بعد هذا التفكك؟ وماذا ينتظرنا من سوء الهوان؟