حميد السعيدي
ألم يَحِن الوقتُ الآن للمطالبة بإغلاق هيئة حماية المستهلك، ونقول لسعادة الدكتور سعيد الكعبي، وجميع الموظفين بهذه المؤسسة، شكراً لكم من القلب، شكراً على جميع قضايا الغش والتلاعب التي تم كشفها خلال السنوات الماضية، شكراً لكم فما يتم اكتشافه يوميًّا، شكراً لكم في ظل غياب منظومة قانونية شاملة تستطيع أن تضرب بقبضة من حديد لكل المخالفين للقانون الذين يقتاتون على صحة المواطن ومصلحة الوطن، شكراً لكم لأننا علينا أن نتحمل الكثير من الأمراض والوهن والموت، شكراً لكم لأنَّ الصورة اكتملتْ وما عاد هناك مجال لنتحمل الكثير، شكراً لكم على الأمانة والإخلاص، شكراً لكم لأنكم كنتم الوفاء والعطاء فقط لأجل عُمان، شكراً لكم لأننا نريد نعيش في الوهم، ونتخيل أن ما نأكله ونتغذى عليه صالح للاستخدام الإنساني!!
شكراً لكم من القلب، هذه الكلمة التي يردِّدها اليوم كل مواطن، ولكن عليكم إغلاق هذه الهيئة؛ فمنذ تأسيسها في العام 2012، ونحن حذرين، ننظر إلى تواريخ الإنتاج والانتهاء، ولكنها أصبحت دون جدوى؛ لذا نحن علينا أن نعيش في الماضي لمرحلة ما قبل هذا التاريخ، نأكل ونشرب ولا نفكر في صلاحية ما نأكله أو عدم صلاحيته للإنسان.
اليوم أصبحنا نأكل أرز (عيش)، وخضروات، ونشرب ماء، كلها مواد غذائية لا نثق فيها، فنصاب بأنواع مختلفة من الأمراض، فنذهب بحثاً عن العلاج في المستشفيات، لنأخذ دواء لا يصلح للاستخدام البشري؛ فنتعرض لويلات الألم حتى نموت ونصبح "منتهِي الصلاحية"، الأطفال والنساء وكبار السن، الفئات الأكثر تعرُّضاً لمثل هذه الأحداث، فماذا تريدون منا؟ هل نرمي بأنفسنا ونضحِّي لأجل أن تنعموا بحياة بدون شعب؟ أما تريدون منا أن ندفع لكم جزءًا من دخلنا حتى تزيد أرباحكم ونحصل مقابلها على ملقعة أرز نظيفة؟ طالما أن أرباح شركاتكم التي تبلغ مئات الملايين سنويا لم تكفكم بعد؟
صدقوني إنَّنا لا نرغب إلا في قطعة حلوى نشتريها لأطفالنا من أجل أن نرى ابتسامتهم، أن تكون هذه الحلوى صالحة لهم، لا لشيء إلا لأجل هذا الوطن، نريد أن نرى تلك الابتسامة خالية من ألم المرض، بسبب تلك القطعة، نريد عندما نذهب لعلاجهم من الأمراض التي أحدثتموها في أجسادهم، أن يحصلوا على علبة بنادول أن تكون صالحة لهم، لا أن تزيد من ألمهم وصراخهم من الحياة، لا نريد منكم أكثر من ذلك فقط ارحموا هذا المواطن البسيط.
فبالله أين ضمائركم، إنَّني أخاطب ذلك المواطن صاحب الشركة، وصاحب المؤسسة، وصاحب الأرباح بالملايين التي تأتي إليه نهاية كل عام؛ فجميع الشركات بهذا الوطن يمتلكها مواطنون وليس وافدين، هذا بحكم النظام المعمول به، فلماذا نتَّهم الوافدين بأنهم المتسببون بذلك؟
الغريب في الأمر أنَّ جميع الأحداث التي حدثت بالماضي والتي تتعلق بالتلاعب بالمنتجات الغذائية، كانت المحاسبة تتجه لمعاقبة ذلك العامل أو المسؤول في المرتبة الدنيا في التسلسل الوظيفي بالمؤسسة، ولكن أين القانون من أصحاب الشركة؟! أما إنَّ تلك الأموال لا تتجه إلى خزائنهم، فلماذا لا تتم محاسبتهم؟ ولماذا لا يحصل المواطن على حقه، ويعرف تلك الشركة التي كانت سببا في أمراضه.
فعندما أطالب بإغلاق هذه الهيئة من أجل أن نظل نعيش في الوهم بدون تفكير، نمرض ونموت ونقول القضاء والقدر، ولا نريد أن نشكك في أحد، نريد أن نأكل ونحن واهمين أنفسنا بأن غذاءنا كان نظيفاً ونقيًّا، ونأخذ علبة دواء من المستشفى لعلاج أبنائنا ونحن نعتقد أنها صالحة للاستخدام، على الأقل يكون تاريخ الانتهاء المتلاعب فيه لم ينتهِ بعد، هذا ما نريده منكم اليوم.
فليعذرني أصحاب الضمائر الحية في هيئة حماية المستهلك، تلك المؤسسة الناصعة البياض نريدها أن تبقى كذلك، نريد اليوم من يحمي هؤلاء الأطفال في هذا الوطن فهذا حق من حقوقنا، حق على جميع المؤسسات يجب أن تعمل بإخلاص وأمانة، أن نرى ذلك واقعًا كأننا نخوض حربا ضد الفساد وخيانة الضمير، هذه الحرب اليوم التي يجب أن نعلن عنها، نوجد بلدا خاليا من هؤلاء الخونة، فمن يعمل على تحقيق مصالحه الشخصية عن طريق النصب والغش والاحتيال على حساب الوطن، فليكن مصيره خلف القضبان، ولا يمكن أن نَرْضَى أن يصعد هؤلاء بواسطة الوافدون الذي قدموا إلى هذا الوطن؛ فيجب مُحاسبة الجميع دون أنْ يتم استثناء أحد؛ لأنَّ المسؤولية تقع على جميع أفراد المؤسسة بمن فيهم الملاك وأصحاب الثروات التي عملتْ على الغش ضد هذا المواطن البسيط؛ فالأموال التي جُمِعَت بهذه الطرق ذهبت لتلك الحسابات الغنية بمئات الملايين والتي جمعت من صحة المواطن، فإما أن نصنع مواطنا مريضاً لا يحقِّق أمنيات الوطن، أو نخلق مواطنين أقوياء قادرين على صناعة التقدُّم، فماذا تريدون؟!
Hm.alsaidi2@gmail.com