جيوب تدفع.. وبطون تمرض

سُلطان الخرُوْصي

آخِر تحديث وَصَل للمواطن ما أعلنتْ عنه الجِهَات المعنيَّة باكتشاف أطنان من السَّمك الفاسد الذي يُعاد تعبئته، والتلاعب بتاريخ صلاحيته، لتتلقاه بطون المواطن، ولسان حال الأخير "من أَمِن العقابُ أساءَ الأدب".

يَبْدُو أنَّ التوجُّه نحو تعزيز ثقافة "احْمِد ربَّك، غيرك ما مَحصَّل هالنعمة" تسير على قدم وساق؛ فما المشكلة من أنْ يتناول الأطفال والرضَّع حليبًا غير صالح للاستخدام الآدمي؟ وما الضَّيْر في أن يَلْعَق الصغار حلوى منتهية الصلاحية؟ وما العَيْب في أنْ يأكل الناس أرزا فاسدا ولحما نتنا -ناهيك عن لحوم الحمير والكلاب!!- ولماذا يضجُّ الناس حينما علموا أنهم كانوا في غفلة من تناول أدوية غير صالحة، فهل غريب أن نكون حقل تجارب؟! ثمَّ لماذا كل هذا الضجيج حول إظهار عورات قطع الغيار المزورة؟ وما الإشكال الكبير في أكل الفواكه المشبَّعة بالبروتينات والفيتامينات والألياف الكيماوية والمواد المُهَدْرجة عالية السُّمية؟ ولماذا لا يقتنع الناس بأنهم "الخارقون" الذين لا تؤثر فيهم -ربما- المفاعلات النووية؟!

المؤشِّرات الأخيرة تُوْحِي بأنَّنا في مرحلة إظهار المفاسد السَّمِجة التي تقوم بها العمالة الوافدة بوجه خاص، وبعض المواطنين والمؤسسات الحكومية والخاصة بوجه عام، كما تُوْحِي بهزالة القرارات التشريعية والتنظيمية في مِثل هذه القطاعات التي تُصِيْب العمودَ الفقريَّ للاقتصاد الوطني، ناهيك عن أثرها في الاستقرار الاجتماعي والصحي والنفسي، ولربما تلقي بظلالها على الوضع السياسي في ظل الاحتقان المجتمعي الذي يُعاتب المؤسسات الرقابية والضبطية في إظهار تفاصيل الجهات "المخطئة" بحق الناس، كما أنَّ العتبَ لا يَعْفِي المؤسسة القضائية من اتخاذ القرارات الحازمة والحاسمة في مِثل هذه الممارسات غير الإنسانية.

يَبْدُو أنَّ أصابعَ الاتهام حائرة بَيْن مَنْ يتحمَّل المسؤولية؛ فهل هو المواطن أم الحكومة؟.. وعلى مُستوى الحكومة هُناك اختلاف شاسع لمن يتحمَّل تبعات هذا السرطان الذي تغلغل منذ سنوات، وينخر في البنية الأساسية الاقتصادية للدولة، فهل المسؤولية تقع على الهيئة العامة لحماية المستهلك، أم على وزارة الزراعة والثروة السمكية، أم على وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه، أم على مؤسسة "مجولة الهوية"؟!

لن تكُوْن نظرتنا قاتمة بما يفاض علينا من غَيْض ما يدخر، لكنْ علينا أنْ نُؤمن بأنَّنا أمام حرب هوجاء تستعبد جيوب الناس بحاجاتهم الملحَّة للمواد التي لا يُزوَّد بها البلد إلا عن طريقهم، علينا أنْ نُفكِّر بطريقة عصرية تحفظ رأس المال، والتنافس الشريف، مقابل جودة المنتج؛ حفاظا على صحة الناس واستقرارهم الاجتماعي والأسري؛ فالجميع يَطْرَح سُؤالا بسيطا ومشروعا: لماذا لا تُتَّخذ إجراءات حقيقية تجاه هؤلاء "المجرمين" أسوة بدول الجوار، ليس من باب المنافسة، بقدر الاهتمام بصحة الناس واستقرارهم؟ فالجميع أصبح يُدرك عواملَ انتشار الأمراض السرطانية بين الأطفال والنساء والشباب، فأين القرارات المباشرة والمسؤولة تجاه ذلك؟ فهل اتخاذها يضرُّ بأطراف معينة على حساب الناس والوطن؟!

وختاما.. إلى المسؤولين بالحكومة، والسَّادة رُؤساء المشاريع الرائدة بالقطاع الخاص: دَئِبَت الحُكومة -ومنذ فترة طويلة- على بناء جسر الثقة بين المستهلك والمنتج العُماني، ومحاولة تفضيله عن بقية المنتجات الخليجية والعربية والعالمية، من باب "شجع مُنتجك الوطني" لكنه -المواطن- أصْبَح يخشى ذلك بسبب عدم الأمانة أو المتابعة؛ فأصيب في ماله ونفسه وبدنه، فاليوم أصبحت مَجَالسنا تتذمَّر من صحية المطاعم والمقاهي والمنتجات المختلفة؛ وكل ذلك له تأثيره السلبي على التنافسية العالمية، اكْسَبُوا ثقة المستهلك بثقة قراراتكم التي تَحْمِي الأنفسَ من غَدْر الأمراض التي تُباع في أسواق الدولة دون حسيب أو رقيب -كما يرى ذلك البعض- كُفُّوا الظالمين من جعل جيوب الناس "أبقارا حلوبا"، ومن بطونهم مَرْدَمًا لأطماعكم وأسقامكم.

[email protected]