فلسطين في مناهجنا العمانية!

 

د. سلطان بن خميس الخروصي **

sultankamis@gmail.com

 

من رحم الموت تُخلق الحياة، ومن عُمق القهر تسمو الكرامة، ومن ظلام الذُّل تُشرق العزَّة، ومن جبروت الجوع والعطش والخوف تُستردُّ الأوطان والإنسانية، وبالتصديق والإيمان بالله ثم الوطن ضرب المسلمون أروع النماذج التاريخية الخالدة لمعنى الحياة الكريمة الهانئة.

من هُنا تغنَّى شُعراء النِّضال الفلسطيني بقصائدهم الخالدة فأطربنا الشاعر الشهيد عبدالرحيم محمود بقصيدته "سأحمل روحي على راحتي" في عام 1939؛ حيث استشهد في معركة الشجرة ضد الصهاينة في يوم النكبة 1948، لتظل هذه القصيدة بكل ما تحمله من معان وطنية وإنسانية وقومية ودينية تتشرَّب في أعماق جيل من جعلوا القضية الفلسطينية أساس الاستقرار والأمن الإقليمي والعالمي، فلا يكاد تنطوي صفحة سياسية في أي مؤتمر أو لقاء إلّا وكان الانتماء القومي العربي الإسلامي حاضرًا وبقوة في عمق تلك المناقشات، بل أصبح الشعر النِّضالي للدفاع وحماية القضية الفلسطينية جُزءًا لا يمكن بترهُ من المناهج العربية ومنها مناهجنا العُمانية في فترة سابقة؛ فخُلق جيلا يُؤمن بالحق المُقدِّس للإنسان العربي المسلم في هذا القطر المغتصب من العالم، جيلٌ يتطلَّعُ للصلاة في أولى القبلتين وثالث الحرمين، وبُنيت قاعدة متينة من المفكرين والعلماء والدُّعاة والمحدثين الذي وهبوا أنفسهم ووقتهم وجهدهم للحفاظ على هذا القضية مهما كانت الظروف والأحداث والمتغيرات، بل وجدوا دعما سخيِّا من المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني والمنظمات والهيئات الحقوقية، وحينما جاءت إبادة غزة توقف كل شيء! وأصبحت القضية الفلسطينية هامشية، ولسان حال كل ما مضى يقول للفلسطيني "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون"، والسؤال البسيط والمباشر هو لماذا وصلنا لهذه المرحلة؟!

تُشكِّل المنظومة التربوية أحد أبرز المُمكِّنات في غرس قيم الولاء والانتماء القومي والإنساني والإسلامي، فمن يتتبع مناهجنا الخليجية- على سبيل المثال- يجد أنها وعلى مراحل متقادمة كانت تُخفِتُ تسليط الضوء عن القضية الفلسطينية، ومناهجنا العمانية أصبحت شبه خالية عن هذه القضية الوجودية، وما يحدث في غزة وما يشاهده أطفالنا من إبادة وصراع دامٍ يشوش الصورة في أذهانهم البريئة ويتساءلون ماذا يحدث؟ ومن هم الفلسطينيون والإسرائيليون؟ وحينما ننصح أجيالنا بقوة الرأي واتخاذ القرار بالمشاركة في المقاطعة لمنتجات وسلع وخدمات الغُزاة والمجرمين من الصهاينة ومن عاونهم، نجدهم مشوشين أيضًا فما هي المقاطعة؟ ولماذا نقاطع؟ وما فائدتها؟! وحينما يجد الطفل العماني أن حكومة بلده تُنادي نهارًا جهارًا بضرورة حقن دماء الفلسطينيين المظلومين، وتدافع عن حقهم في تقرير المصير، وتتحدث أن لا بُد من حل جذري لهذه المشكلة التاريخية الطويلة، وأن الصهاينة هم مجرمو حرب وإبادة، ويجد علماء الوطن يُندِّدون بالصمت المقيت للأمة الإسلامية علماءً وجماهيرَ ومثقفين وسياسيين يتساءل: لماذا كل هذا الضجيج؟ وحينما يشاهد جموعًا من أبناء وطنه والمقيمين على هذه الأرض الطيبة النقية يتجمهرون في مسجد السلطان قابوس الأكبر وفي الحواضر والبوادي للاستنكار على المذبحة الممنهجة على الإنسان في فلسطين، يتساءل لماذا؟  وحينما يُفتِّشُ في مناهجه الدراسية عن القضية الفلسطينية ويبحث عن إحداثياتها التاريخية والدينية والجغرافية لا يجدها، فيتساءل أين هي؟!.

نحن بحاجة إلى أن تكون القضية الفلسطينية جزءًا من مناهجنا العمانية التي أُفرغت منها حتى تتشكل الصورة الكاملة في أذهان الأجيال القادمة ماذا يعني النضال لأجل الوطن والمبدأ والحياة، فهي نموذج يُترجم تاريخ العمانيين في الدفاع عن وطنهم من الفرس والبرتغاليين وغيرهم، وهو يخلق في نفوسهم قراءة واضحة ومنطقية للأحداث الجارية من حوله؛ فيعي ما هو النضال، وما هو الوطن، وما هو الجُرم، وماهي الإبادة، وما تعنيه المقاطعة وأثرها، وماهية القرار وقوة اتخاذه، فهل حان الوقت لإعادة بريق فلسطين في مناهجنا العمانية؟

** كاتب وباحث في التربية وشؤون المجتمع