ثوابت عمانية ناصعة البياض

حمود بن علي الطوقي

باتت ثوابتنا العُمانية التي غرسها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان قابوس منذ توليه مقاليد الحكم في عام 1970، محل افتخارٍ ليس فقط عندنا كعُمانيين بل عند غيرنا من أشقائنا وأصدقائنا الذي يرون أنَّ السياسة التي تنفرد بها وتنتهجها السلطنة تفرض احترامها وتقديرها، لأنَّها سياسة مبنية على ثوابت وترتكز على قيمٍ ومبادئ لا يُمكن بأيّ شكل من الأشكال التَّخلي عنها لأنها ثوابت راسخة تُترجم الفكر المُستنير والنظرة الثاقبة لجلالة السلطان قابوس - حفظه الله- الداعية إلى تحقيق السلم والتعايش ونشر المحبة بين النَّاس.

هذه الثوابت كانت محور حديثي مع إحدى الصحفيات الفرنسيات التي تزور السلطنة حاليًا ضمن وفد اتِّحاد الصحافة الأوروبية للعالم العربي كانت مُعجبة بالدور العُماني ومكانة عُمان على الخارطةً العالمية، ليس فقط في هذا العصر ولكن منذ العصور الماضية، عندما كانت الإمبراطورية العمانية تسيطر على عددٍ كبيرٍ من دول شرق أفريقيا. قالت لي يمكن أن نستلهم معاني ونبل هذه الثوابت أثناء مُتابعتنا لرسائل الشكر والامتنان حيث يتسابق أجناس من البشر بمُختلف جنسياتهم ليُعبروا عن مشاعرهم الصادقة عبر شبكات التواصل الاجتماعي عن حبهم وإعجابهم بالمواقف العمانية الداعية إلى السلم والتَّعايش ويعتبرون أنَّ النهج العماني فرض احترامه بين الأوساط الرسمية والشعبية، ما يجعلكم كشعب عُماني مفخرة أمام الجميع. قلت لها هذا صحيح ونحن هنا لا نستغرب عندما نشاهد الأشقاء في اليمن وفلسطين يرفعون العلم العُماني وصور حضرة صاحب الجلالة السُّلطان قابوس ويثنون على أخلاق وكرم واحترام العمانيين وذلك دليل على أنّ المواطن العماني يحظى بحب كبير من مُختلف الأجناس. استحضرت وأنا أتحدَّث مع الزميلة الصحفية من فرنسا لقاء صاحب السُّمو السيد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء قبل حوالي عامين عندما التقى سُّموه بأعضاء اتحاد الصحافة الخليجية وكنت حاضراً هذا اللقاء، حيث ذكر سُّموه الثوابت العُمانية وموقف السلطنة تجاه القضايا التي تهم الأمة العربية والإسلامية فهو موقف ثابت يدعو إلى تبادل الاحترام وعدم التدخل في شؤون الغير. وتحدث سُّموه عن علاقة دول مجلس التعاون الخليجي باليمن الشقيق وهي جزء من المنظومة العربية وأن استقرار اليمن أمر لابد منه.

هذا الموقف كان حاضرا وأنا أتابع موقف السلطنة تجاه عاصفة الحزم فلابد أن تكون الأجواء العمانية مفتوحة كما كانت الأجواء العمانية مفتوحة إبان حرب الخليج الأولى والثانية ما يجعلنا نفتخر حقاً عندما نشاهد الدور المهم الذي تلعبه السلطنة لتهدأت الأجواء بين الأشقاء وأيضا احترام أشقائنا بهذا الموقف الذي كان لابد منه من أجل تضييق الفجوه وفتح باب الحوار.

أذكر أيضا وأنا أسطر أحرف هذا المقال شجاعة الطيار العُماني بالدخول والهبوط في مطار صنعاء وكسر الحصار وعدم اﻹكتراث أو الخوف من دول التحالف فهذا الموقف جزء من واجبنا ولابد من فتح كل القنوات من أجل إسعاف المصابين وتقديم المساعدة لعبور المئات من الجاليات من خلال المنافذ العمانية. فعندما تهبط أوَّل طائرة عمانية في مطار صنعاء من بين كل دول العالم وتكسر الحصار ودون أن تخضع للتفتيش مما يسمى تحالف عاصفة الحزم فذلك يدعوك لأن تفتخر بحكمة سُلطان البلاد الذي جعل من سلام عُمان سلام اﻷقوياء وليس الضعفاء. نعم هكذا قلت لزميلتي الصحفية "هذه هي عُمان التي تعمل بصمت وتحتفظ بعلاقات طيبة مع كافة الدول". فالعالم يجب أن يتعلَّم من مواقفنا الثابتة حُسن ظن أهل عمان في رسول الله،عندما بعث إليهم يدعوهم للإسلام فاستجابوا له طوعاً دون حرب أو قتال.

عمان بمواقفها وبنهجها مدرسة في الأخلاق والمعاملات فالكرم والجود وحسن الضيافة ﻷي ضيف يقدم عليهم بغض النظر عما هي ديانته واحترامه للنفس البشرية..هي مبادئ قيمة من ديننا الإسلامي الحنيف. نفتخر دائما في عًمان بتمسكنا بالدين اﻹسلامي الحنيف ومطلب الاجتهاد في تطبيقه وأنّ الناس أجناس تتعدد آراؤهم وتختلف وجهات نظرهم دون تمييز. فالتعايش والتسامح ورفع راية الوحدة بين المسلمين والحرص على وحدة الصف إحدى أهم القيم العمانية الأصيلة.

إنني في هذا المقال لا انحاز لعُمان كوني عماني فكل المؤشرات تؤكد أن بلادنا والحمد لله دولة متميزة لأنها رسمت خارطة طريق ومنهجاً في التعاملات بأننا لا نتدخل في شؤون غيرنا ما لم يطلب منِّا التدخل رسمياً وألا ننجر وراء اﻷحداث. فهكذا نحن في عُمان تعلمنا أن نحب الوطن ونحفظ كرامة المواطن، وأن المخلص لله سيخلص لوطنه ودينه وعقيدته وسينبذ جذور الفرقة والشقاق.

نجزم بأنَّ هذه المبادئ جعلتنا ننأى بأنفسنا عن الفتن والمشاكل فقد تعلمنا من فكر جلالة السلطان أننا أبناء عمان دولة واحدة وشعب واحد ودين واحد لا ندعي الكمال ولكننا حتماً نتميز بأخلاقنا الممزوجة بالدين واﻷدب فنحن نحب الكل ويحبنا الجميع لأننا وضعنا في الاعتبار أنَّ المذهبية والطائفية ليست طريقاً للنجاح والفلاح ولكنها طرق للدمار والهلاك.

هذه هي عُمان وهذا هو شعبها الوفي الذي سلك منهجا بعيدا عن أية صراعات ونزاعات من أجل أن تبقى بلادنا ناصعة البياض.