هل الحكم "شماعة" المُتعصّبين؟!

 

حسين الغافري

 

(1)

كثيرة هي الأحداث والمباريات الرياضية التي عشناها في الفترة الأخيرة وشهدت ضجيج وخلاف جماهيري واسع، وتضارب كبير في الشكل الذي أُديرت به دفة التحكيم. وبطبيعة الحال في مُختلف الأنشطة والمواجهات الرياضية مآلها بأن تنتهي في أن يكسب أحدهم بالفوز ومواصلة طريق التتويج والآخر يُمنى بالهزيمة، فمن غير المحال أن ينتصر الجميع أو يخسر الجميع.. هذا هو المفهوم المتعارف عليه ولو كان وحدثت أخطاء بينة غير مقصودة!. ولعل هذا الضجيج إذا ما تعمقنا في الغوص والبحث عن جذوره الأولى سنجد مآله التعصب الرياضي.. آفة كرة القدم وكُل الرياضات.

 

(2)

تابعت مُباريات كثيرة حدثت فيها جُملة من الأخطاء وعرقلت مسيرة لقب أو ساهمت بذلك على أقل تقدير - لنكن منصفين - فلم تقم الدُنيا مثلما يحصل اليوم عند ما نُشاهد التقليل من فوز الفائز أو التلميح بأن النوايا مُبيّتة أصلاً لفوزه من خلال اختيار طاقم تحكيمي مُعيّن وهي علكة باتت قديمة. على سبيل المثال، الضجة الواسعة التي شهدتها مُباراة برشلونة الإسباني وباريس سان جيرمان الفرنسي في دور الستة عشر من دوري الأبطال الأوروبي هذا العام وخسارة النادي الفرنسي بطاقة التأهل رغم تقدمه بأربعة أهداف نظيفة في لقاء الذهاب!. المُتابع للقاء الإياب يُدرك تماماً أن هُناك عدد كبير من الأخطاء ولمصلحة الجانبين ولكن الشكل الأخير كان أحقية واضحة لتأهل النادي الإسباني قياساً لما قدمه طيلة المباراة ولو أنني لست بدرجة فهم كافية لقراءة الحالات التحكيمية إلا بالاستعانة لأساتذة التحكيم في القنوات الرياضية العالمية وخبراء التحكيم في الصحف الشهيرة. وفي مثال آخر، لقاء دور الثمانية بين ريال مدريد الإسباني وبايرن ميونخ الألماني بشقيه الذهاب والإياب ومهاجمة الحكم على أنه منح بطاقة التأهل للريال بشكل ظالم. ولعل المُتابع المحايد يدرك تماماً أن الأخطاء تضرر منها الطرفين ومع ذلك كانت الأحقية بتأهل ريال مدريد لما قدمه بدرجة أعلى عن منافسه رغم اختلاف وجهات النظر! في اللقاءين الفائز حصد جهده وتأهل وشاهدنا الثقافة الاحترافية وتبادل القمصان بعد صافرة النهاية وهي ثقافة نتمنى أن تتسجد في التشجيع أيضاً والتمتع بشيء من الوعي.

 

(3)

وبصفتنا متابعين لكرة القدم الجميلة متجاوزين كُل أشكال التعصب يمكن التسليم أنّ الخطأ التحكيم جزء لا يتجزأ من اللعبة ومن مُتّعتها المعروفة. يحصل أن يمنع خطأ تحكيمي كأس أو خسارة صدارة أو ثلاث نقاط هامة بأضعف الإيمان .. هو خطأ حصل ومرّ يتخذه الحكم في أجزاء من الثانية ومطالب أن يكون متابع للمباراة برمتها وتفاصيلها والانتباه من تصيّد اللاعبين وتمثيلهم لخداعه بمختلف الحيلّ. عمل ليس بالهين، وجهد ليس بالقليل ودرجة تركيز تامة لكي يتخذ قرارا حاسما "على طول" من أول نظرة ومن زاوية نظر واحدة عكس ما نحن عليه، فالمجالس ونستمتع بالأكل وشرب العصائر ونتابع الإعدادات من كل الزوايا. مسكين فعلاً "الحكم" قصد يصيب تسعة وتسعين مرة ويخطئ بواحدة فيتجاهل العالم كل صوابه والمجهر يكون على ذلك "الواحد".

 

(4)

عموماً، مسألة تطوير كُرة القدم المُحترفة موضوع متجدد والتقليل من الأخطاء التحكيمية أصبح يؤرق الاتحاد العالمي للعبة؛ نظراً لارتباط الأندية بمبالغ واستثمارات مليونيّة تحتاج أن تتواكب عملية تطور التحكيم في تقليل الأخطاء. الخمسة حُكام وتقنية عين الصقر وشاشة الفيديو تطورات مستجدة خلال العقد الأخير، وقد قرأت مُنذ أيام تقنية جديدة قيد التجربة يُتابع من خلال حكم إضافي المباراة من المقصورة العلوية للملعب وأمامه شاشة مرتبطة بعدة كاميرات تمنح مجال أوسع لتقييم الحالات مباشرة وستدخل حيز التنفيذ بالدوري الهولندي مطلع الموسم المقبل. ونحن بصفتنا مشجعين وعاشقين مطالبين في رفع درجة العقلانية والوعي في التشجيع والابتعاد عن آفة التعصب السيئة ونظرية المؤامرة والدخول في نوايا الحكم التي تُسيطر على عدد لا بأس به من الجمهور العربي المُحب للكرة، رغم إدراكنا بأن الواقع عكس ذلك، ولكن لربما هي لمحاولة تخفيف حدة الحزن وجعله الشماعة.. هي دعوة تحتاج إلى تفكر بهدوء.. كرة القدم فوز وخسارة.. اليوم لك وغداً للآخر.. اليوم تفرح وتتلقى التبريكات.. وغداً تخسر وتتقبل الخسارة.. أليس كذلك؟!.