"متلازمة داون" والمستقبل المجهول

 

 

طالب المقبالي

 

لقد حَظي المعاق في بلادنا -ولله الحمد- بخدمات نوعية جليلة، وإن كانت متواضعة في الكَمْ والتعميم؛ فقُدِّمت الرعاية لمختلف الإعاقات؛ ومن بينها "متلازمة داون"؛ من خلال مراكز الوفاء لتأهيل الأطفال المعاقين التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، وكذلك جمعية التدخل المبكر الأهلية، ووزارة التربية والتعليم من خلال فصول الدمج.

وهنا، أركز على "متلازمة داون" التي تتفاوت درجات أصحابها؛ حيث يُوجد من بين المصابين بها من تكون حالته قابلة للتعليم والتأهيل، وهذه الفئة بعضهم تم إلحاقهم بمدارس التعليم العام في فصول الدمج، وقد خُصِّصت لهم معلمات متخصصات في تدريس الطلاب من ذوي الإعاقة.

وتكون الدراسة على مرحلتين؛ الأولى من الصف الأول فكري إلى الصف الرابع، والمرحلة الثانية من الصف الخامس إلى الصف التاسع، وهذا ينطبق على جميع الإعاقات الذهنية القابلة للتعلُّم. وخلال فترة الدراسة هذه -والمحدَّدة إلى الصف التاسع- تكون الأسرة متعلقة بآمال أن يتأهل أطفالهم لمراحل متقدمة، إلا أنَّ الواقع صادم؛ فبعد إكمال الصف التاسع يتم تبليغ أولياء الأمور بأن فترة الدراسة لأبنائهم سوف تتوقف عند هذه المرحلة، فأين سيولون وجوههم بهذا الطفل بعد هذه الفترة؟!!!

مراكز الوفاء لتأهيل الأطفال المعاقين قد مدَّدت أعمار المصابين بـ"متلازمة داون" للاستمرار في المراكز إلى سن الثلاثين حسب إفادة أحد المعنيين بأحد المراكز؛ حيث يتم تأهيلهم في بعض الحرف البسيطة بجهود متواضعة وباجتهادات شخصية من قبل المشرفين على هذه الفئة، وهم على قناعة بأن هذه الحرف لا تحقق طموحات أطفال "متلازمة داون" أو ذويهم، ولا تؤمن لهم المستقبل للالتحاق بالعمل.

إلا أنَّ هناك جهودا متواضعة من قبل القائمين على مراكز الوفاء بتأهيل بعض الحالات القابلة للاندماج في المجتمع لإلحاقهم ببعض الأعمال البسيطة في القطاع الخاص.

والواقع أنَّه لا توجد رؤية واضحة أو إستراتيجية محددة للمصابين بـ"متلازمة داون" كالتدريب والتأهيل لهذه الفئة من قبل الجهات المعنية، أو إلحاقهم بمعاهد خاصة، أو مراكز التدريب المهني، أو من خلال احتوائهم في مؤسسات ووحدات إنتاجية وتشغيلية مع توفير الحماية الشخصية لهم كي لا يكونوا عرضة للاستغلال بشتى أنواعه.

فلو قارنَّا هذا مع بعض الدول العربية، فإنَّ هذه المؤسسات والمراكز موجودة وتقدم خدماتها على أكمل وجه.

فالتفوُّق والنبوغ ليسا حكراً على الأصحاء؛ فهناك أدباء ومهندسون ومعلمون وفنانون ورياضيون...وغيرهم من المصابين بـ"متلازمة داون"، قد أثبتوا وجودهم بفضل تلك المؤسسات التي احتضنتهم ودربتهم وهيأتهم، كل حسب قدراته.

ولعلَّ أبرز مثال: الشاب الكويتي مشعل جاسم الرشيد البدر، المصاب بـ"متلازمة داون"، والذي استطاع التغلب على إعاقته، والتحوُّل إلى أسطورة في رياضات السباحة والغوص والجري ورمي الجلة، حتى إنَّه استطاعَ حَصْد 11 ميدالية ذهبية وفضية وبرونزية بأولمبياد المعاقين. ولم يقتصر تفوقه على الرياضة، بل أصبح يقرض الشعر ويكتب في الأدب.

وها هي المعلمة "هبة الشرفا" فتاة فلسطينية مصابة بـ"متلازمة داون"، وتعمل مُعلمة بجمعية الحق في الحياة التي تُعنى برعاية وتأهيل مصابي "متلازمة داون" في قطاع غزة، لتكون أول مصابة تحمل هذا الوسام الجميل لقيادة تلاميذها نحو المستقبل.

كما يوجد في العراق مهندس معماري من المصابين بـ"متلازمة داون" يقوم بعمله على أكمل وجه، ويوجِّه العاملين في ميدان العمل. وهناك لاعبون لكرة القدم يتنافسون ضمن الألعاب العالمية للأولمبياد الخاص، معظمهم مصابون بـ"متلازمة داون".

ويعرض موقع الوراثة الطبية (www.werathah.com) نماذج لمشاهير من المصابين بـ"متلازمة داون"؛ من أمثال: ستيفن جنز (Stephane Ginnsz)؛ فهو أول شخص مصاب بـ"متلازمة داون" يأخذ دور النجومية في فيلم سينمائي.

ففي العام 1996، عندما كان ستيفن في الثانية عشرة من عمره؛ بدأت مسيرته إلى الشهرة في عالم الفنون؛ حيث كانت بدايته في بطولة فيلم دو (Dou)، كما استمر ستيفن في تقديم الإعلانات والبرامج التليفزيونية. ومن الناحية الدراسية، تمكَّن ستيفن وبتميز أن يتخرج من بيثيسدا الثانوية.

وكذلك كريس بورك (Chris Burke) لم يكتف هذا الموهوب بالتمثيل، بل امتدت إنجازاته إلى أبعد من ذلك؛ فكريس المولود في مدينة نيويورك المزدحمة عام 1965 لم يكن في نظر والديه مجرد طفل داون، بل إنَّهما رأيا فيه نجماً غنياً بالطموح والإبداع؛ فقرَّرا أنْ يتكفَّلا بتعليمه وتنشئته بدون الاستعانة بالمؤسسات التأهيلية المختصة، وكانت النتيجة مذهلة؛ فها هو كريس ممثل وكاتب سير ذاتية؛ فكتابه "بطل من نوع خاص" (A A Special Kind of Hero) كان من أكثر كتب "نيويورك تايمز" مبيعا.

وكذلك الفتاة الأسكتلندية باولا سيج (Paula Sage) لاعبة رياضة الشبكة الأولمبية، والممثلة، ومقدِّمة البرامج، ولم تكتفِ باولا بذلك، بل قرَّرتْ أنْ تُصبح نصيرة ومدافعة عن حقوق أطفال الداون.

هذه النماذج تؤكِّد أنَّ هذه الفئة قادرة على العطاء والإنجاز. ومن الظلم أن تتقوقع بين أربعة جدران في المنزل وهي قادرة على قهر الإعاقة لو تيسَّر لها ذلك في السلطنة.

muqbali@hotmail.com

الأكثر قراءة