الاستثمار في الموارد البشرية

د. محمد عشماوي

من المعروف أنَّ لفظ موارد بشرية، يُقصد به كل العمالة الدائمة والمؤقتة التي تعمل للمنظمة وبمعنى آخر أن لفظ العمالة يشير إلى القيادات التنظيمية ورؤساء الوحدات التنظيمية في كل المُستويات التنظيمية. ومن هذا المنطلق فإنَّ البنية الأساسية لأيّ مُنظمة هي العنصر البشري ويتضح أهمية الموارد البشرية فيما يلي:

•     يتوقف نجاح العديد من المُنظمات الحديثة على جودة ما تملكه تلك المنظمات من رأس المال البشري، ويقصد بالجودة هنا مقدار المعرفة والمعلومات المُتاحة للعمالة البشرية.

•     المعرفة أصبحت إحدى المجالات الأساسية للصراع العالمي بين القوى العظمى وذلك بدلاً من الصراع على الموارد المادية.

•     تحول القوة داخل المنظمات إلى العاملين الذين يملكون مفاتيح المعرفة التنظيمية وهم يتحكمون في مصادر القوة والثروة داخل المؤسسة في نفس الوقت مثل مديري الإنتاج والتسويق والمديرين الماليين والمُدققين

•     تزايد الأهمية النسبية للموارد البشرية العاملة في شتى مجالات المعرفة ومثال على ذلك زيادة الطلب على مبرمجي ومحللي النظم.

 وتحظى تنمية العنصر البشري باهتمام السلطنة منذ عصر النَّهضة التي قادها جلالة السُّلطان بن سعيد سلطانُ عمان المعظم والذي يوجه دومًا بالاهتمام بالتعليم والتطوير الذاتي للعنصر البشري ونتحدث في هذا المقال عن الاستثمار في مجال تنمية الموارد البشرية.

رأس المال (الموارد البشرية) مفهوم قدمه (بليو شوالتز) طوره(جراي بيكر) ويعني المهارات والمعرفة التي يحصل عليها الفرد لزيادة قيمته في سوق العمل مثل الخبرة والتعليم والتدريب وهذه الثلاثة عناصر هي التي تكون رأس المال البشري.

كانت قيمة المنظمة تُستمد من الميزانية العامة، مثلما هو الحال بالنسبة لأصولها المُختلفة كالمباني والمعدات وغيرها، باعتبار أنَّ ذلك يمثل انعكاسا وافياً لقيمتها، إلا أنَّ هذا التقييم، أصبح موضوعاً لتساؤلات كثيرة، لأسباب عديدة، منها ما ظهر مؤخرا من تنامي دعوات اقتصاد المعرفة، والاعتراف بأن رأس المال البشري يمثل جزءاً ذا أهمية متزايدة من مجموع قيمة المنظمة.

إنَّ الموارد البشرية يُمكن تقييمها بقيمة مادية ملموسة وظهر هذا جلياً في تقييم لاعبي الكرة عند انتقالهم من نادٍ إلى نادٍ وليس فقط لاعبي الكرة وإنما لوحظ أن أسهم الشركات الكبرى تتأثر زيادة أو نقصا عند التحاق أحد كبار المديرين المحترفين في مجاله للعمل بالشركة أو العكس.

فالتعليم عنصر أساسي لكل الموارد البشرية والتسهيلات في التعليم للحصول على المهارات والمعرفة التي تزيد من إنتاجية العنصر البشري والاستثمار في التنمية البشرية يتطلب النظام الاستثماري في التعليم والتدريب مما ينتج عنه تطوير تقني وتقديم فرص عمل جديدة. مما ينعكس بالتالي على الاقتصاد الوطني بالكامل.

إنَّ الاستثمار في الموارد البشرية مثل الدماء الجارية في شريان الاقتصاد الوطني، الأمر الذي يزيد من الثورة القومية على مستوى السلطنة. ولا يمثل الاستثمار في الموارد البشرية في دعم مادي لمؤسسات التعليم العامة لكن أيضاً دعم الإنفاق على جودة التعليم للحصول على عناصر بشرية مؤهلة تأهيلا جيدا ومزودة بمهارات للقيام بأعباء العمل المتطور . بيان دورة الاستثمار في رأس المال البشري كما يلي:

1- تطوير العمالة وأنشطة الأعمال.

2- التكامل بين الفئات غير الموظفة لتقديمها لسوق العمل.

3- سيطرة أفضل على سوق العمل.

ولبيان أهمية الاستثمار في الموارد البشرية اتضح ذلك من خلال دراسة أوروبية مفادها أنه:

    في خلال الخمس سنوات الأخيرة فإنّ 60% من الأعمال المستحدثة تتطلب مهارات عالية .
    سنة إضافية تعطى كتدريب بعد التخرج أو دراسة إضافية للعنصر البشري تزيد مستوى دخل الفرد بما نسبته 10%.
    سنة تدريب دراسة بعد المدرسة الثانوية يمكن أن تزيد الإنتاجية بنسبة تزيد عن 6% و3% على المدى الطويل.

كما يتضح أنّ الجميع سيستفيد من الاستثمار في الموارد البشرية وتنميتها لذا فإنّ الجميع يجب أن يشترك في كلفة الإنفاق الاستثماري في هذا المجال؛ العنصر البشري وقطاع الأعمال والقطاع الحكومي.

إنَّ الاستثمار في تنمية الموارد البشرية في شكل الإنفاق على التعليم يتناسب طرديا مع العوائد المحققة منه. فالاستثمار في تنمية الموارد البشرية يحقق للفرد زيادة في الدخل المتوقع الحصول عليه في المُستقبل ويزيد من قيمته في سوق العمل.

وليس هذا فحسب لأن العائد على الجميع يكون أكبر من ذلك وفي ظل اقتصاديات المعلومات في القرن الـ21 فإنَّ التعليم سيزيد زيادة ملموسة.

إنَّ الاستثمار في الموارد البشرية يبدأ عند دراسة خطة الدولة في خلال الخمسة عشر عامًا المُقبلة في ضوء دراسة للاقتصاد العالمي وارتباطه باقتصاديات السلطنة والمشروعات الاستثمارية والتنموية المطلوبة داخليا.

وعلى ضوء هذه الارتباطات والتنبؤات المستقبلية تضع الوزارات والهيئات الحكومية احتياجاتها من الموارد البشرية والتأهيل المطلوب لتغطية الخطة بكل وجوهها.

وتبدأ لجنة للتخطيط على مستوى السلطنة بجمع المعلومات من القطاع الحكومي والقطاع الخاص لحصر هذه الاحتياجات.

ومن ثمَّ يتم وضع إستراتيجية للتعليم تبدأ من التعليم الأساسي وتنتهي بالتعليم الجامعي وما بعد الجامعي وبالتالي فإنّه يتحتم على القطاع الحكومي والقطاع الخاص المشاركة في خطة الإنفاق والاستثمار على قطاع التعليم والتدريب.

وتقوم الدولة بتوفير التسهيلات اللازمة والبيئة الأساسية وتغطية نفقات الاستثمار في التنمية البشرية حتى التعليم الثانوي وتغطية التخصصات التي تحتاجها الدولة من خلال دعم التعليم الجامعي.

ويقوم القطاع الخاص بالإنفاق الاستثماري في التعليم الجامعي والمراكز التعليمية المفتوحة لتقديم خدمة التعليم مدى الحياة والتدريب على مهارات تتطور بتطور الصناعات وتستلزم تطوير الموارد البشرية طبقًا لها.

كما يُمكن أن تقوم الشركات الكبرى والمؤسسات ذات التأثير الاقتصادي بتأسيس بعض المعاهد والكليات التي تستفيد من خريجيها في الوظائف التي تتطلب نوعية خاصة من المهارة والتدريب.

وفي ظل العولمة وانفتاح الدول على بعضها البعض يمكن للسلطنة إذا طورت من الخطط الدراسية والتعليم والتدريب أن تصدر للدول الخليجية عمالة مدربة تدريبا عالياً ومؤهلة للقيام بواجباتها حسب آخر ما يتطلبه العلم.

والمطلوب فقط من الشباب العماني أن يخطط لمستقبله ويحدد أهدافه: ماذا يريد أن يكون في المستقبل وعلى ضوء ذلك هذا يحدد ما هو التعليم المطلوب له وإذا بدأ في البرنامج الدارسي فعليه الاجتهاد والتفوق حتى يمكن أن يصل إلى هدفه.

أما العناصر التي تساهم في نجاح الاستثمار في الموارد البشرية فهي:

    وجود رؤية شاملة للاقتصاد والتنمية الاقتصادية والاحتياجات من الموارد البشرية.
    تحديد حجم الاستثمار اللازم لتحقيق الرؤية الإستراتيجية للاستثمار في الموارد البشرية.
    إعداد خطة طويلة الأجل تغطي الاستثمار والتمويل والتعليم خلال الفترة القادمة.
    اشتراك عدة جهات في التخطيط والتمويل والتنفيذ للقيام بمشروعات الاستثمار في التنمية البشرية مثل البنوك وشركات التأمين وصناديق المعاشات ووزارة المالية، التعليم العالي، التربية والتعليم، الصناعة والتجارة، الصحة، سوق مسقط للأوراق المالية، وزارة الإسكان، ووزارة القوى العاملة وكل الوزارات ذات العلاقة بخطة الاستثمار والتطوير على مستوى الاقتصاد الوطني.
    دعم التعليم الخاص بالأطر والقواعد والمنهجيات التي تساعده على إنتاج دفعات قومية مؤهلة عن طريق تأسيس معايير الجودة والامتياز الأكاديمي حتى يمكن تحقيق خطة بالنسبة للأعداد المتخرجة لسوق العمل وأيضًا بالنسبة لجودة الخريجين.

ويجب أن يسعى الشاب العُماني إلى تطوير وجهة النظر إلى قيمة العمل على أنها شيء أساسي بصرف النظر عن طبيعة العمل: عمل صغير أو عمل كبير،عمل حكومي أو خاص أو عمل شخصي وبالتالي تتغير نظرة الشاب للعمل وسيحفزه ذلك على التأهل في المجال الذي يريده وبالتالي سيلقى رواجا على مؤسسات التعليم التي تقدم نوعية التعليم ذات العلاقة بمتطلبات العامل ومن ثم يكون الاستثمار في هذه النوعية من التعليم ذي عائد على المُستثمر والفرد والمجتمع.

تعليق عبر الفيس بوك