تبعات قرار وزارة العمل على المؤسسات والشركات

 

المهندس/ سعيد سالم سعيد الكلباني

أصدرت وزارة العمل مؤخرًا قرارًا يُلزم جميع المؤسسات التجارية التي مرّ على تأسيسها أكثر من عام، بتعيين مواطن عُماني واحد على الأقل، خلال فترة لا تتجاوز ثلاثين يومًا من تاريخ الإشعار.

القرار الذي يندرج تحت جهود الحكومة لتعزيز سياسة التعمين ورفع نسب التشغيل الوطني في القطاع الخاص، أثار جدلًا واسعًا في الأوساط الاقتصادية، خصوصًا بين أصحاب المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة ضغوط متراكمة ومتسارعة يصعب التكيف معها.

تكلفة التوظيف العُماني في حدها الأدنى لا تقل عن 450 ريالًا عمانيًا شهريًا، شاملة للراتب الأساسي والتأمينات الاجتماعية والرسوم الإدارية، دون احتساب التكاليف التشغيلية الأخرى مثل التدريب، والإشراف، وفقدان المرونة التشغيلية التي تحتاجها هذه المؤسسات في فترات تقلُّب السوق. وفي ظل غياب برامج دعم فاعلة تعوِّض هذه التكلفة أو تهيّئ البيئة للتوظيف الفعلي، فإن القرار، وإن كان نابعًا من نوايا وطنية نبيلة، قد يُحدث موجة إغلاق واسعة للأنشطة التجارية الصغيرة التي تشكّل أكثر من 90% من هيكل السوق المحلي.

عددٌ كبيرٌ من هذه المؤسسات تكبّد خلال السنوات القليلة الماضية تبعات قرارات أخرى كحماية الأجور، والتصريح الضريبي، ومتطلبات الإفصاح المالي، وهي في معظمها قرارات حميدة من حيث المبدأ، لكنها فُرضت بوتيرة لا تتناسب مع قدرة تلك المؤسسات على التكيّف، لا ماليًا ولا إداريًا. وبالتالي، فإن إلزامها اليوم بتعيين موظف دون النظر في حجم العمليات أو الإيرادات أو طبيعة النشاط يُهدد ليس فقط استمراريتها، بل يفتح سلسلة من التأثيرات المتشابكة على قطاعات أخرى مرتبطة بها.

وإغلاق مؤسسة صغيرة قد يبدو رقمًا بسيطًا في السجل التجاري، لكنه يعني توقف إيراد لصاحب محل تجاري كان يتكسَّب من تأجيره، وانخفاض دخل صاحب شقة سكنية أُجِّرَت لموظف وافد، وتراجع في دفع فواتير المياه والكهرباء والاتصالات، وانخفاض التحصيل من الرسوم البلدية، وتقليص حركة التنقل والمشتريات، ما يعني انخفاض المبالغ المُحصَّلة من ضرائب الدخل أو الاشتراكات التأمينية. الأثر لا يتوقف عند وزارة العمل فحسب؛ بل يمتد إلى الأحوال المدنية، والبلديات، وشركات المياه والكهرباء، وكافة القطاعات الخدمية التي تستفيد من دوران النشاط التجاري مهما كان بسيطًا.

والأثر الأشد قد ينعكس على أسعار السلع والخدمات؛ فالمؤسسة التي لا تستطيع الاستغناء عن وجود عامل أو موظف، ستضطر لرفع أسعار منتجاتها لتعويض تكلفة التوظيف الإجباري للمواطن؛ مما يُدخل السوق في موجة تضخم جزئي مصدرها "تكاليف التعمين". والأسوأ من ذلك أن بعض المؤسسات قد تلجأ إلى حلول ظاهرية لتجنّب المخالفة دون توظيف حقيقي أو إنتاج فعلي، مما يُضعف روح القرار ويشوِّش على أهدافه الجوهرية.

الحل لا يكمن في وقف القرار؛ بل في إعادة صياغته بطريقة تُراعي الفروقات في هيكل المؤسسات؛ فالمؤسسة التي يعمل فيها المؤسس فقط، أو تلك التي لا تتجاوز أرباحها 500 ريال شهريًا، لا يمكن أن تُعامل مثل مؤسسة تجارية تُدرّ عشرات الآلاف كل شهر. كما يجب التدرّج في الإلزام، وتقديم حوافز دعم حقيقية، وتبنِّي نموذج "التوظيف مقابل الأداء أو الإنتاج"، وكلها حلول قابلة للتطبيق وتخفف من حدة الصدمة الاقتصادية المحتملة.

في المحصلة، لا يُمكن بناء اقتصاد قوي ومُستدام دون مشاركة حقيقية للقوى العاملة الوطنية. لكن في الوقت ذاته، لا يمكن فرض هذه المشاركة على كيان اقتصادي هشٍّ دون تمكينه أولًا من البقاء.

التعمين يجب أن يكون نتيجة منطقية لقوة المؤسسة، لا سببًا في تدهورها، والمراجعة الجادة لتوقيت تنفيذ القرار وآلياته، هي مسؤولية اقتصادية وطنية تتجاوز الجهة المُصدِرة، إلى كل الأطراف المعنية بدورة النشاط الاقتصادي في سلطنة عُمان.

** باحث دكتوراة في فلسفة الإدارة والقيادة

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة