علي المعشني
حِيْن أتحدَّث عن دولة الكويت يقودني قارب الفكر إلى الإبحار عميقًا في عقود السنين ودفاتر الأيام؛ فللكويت وَقْع خاص في الوجدان العُماني والعربي؛ حيث تفرَّدتْ مُبكرًا بعدد من المزايا والخصال التي انتزعت بفضلها صيتًا في الوجدان والقلوب.
فللكويت وقعها الخاص ولحنها الشجي في أسماع العُمانيين وحواسهم لعقود خلتْ حين فتح أبناؤها النجباء قلوبهم وأبوابهم، وتقاسموا لقمة العيش مع أشقائهم العُمانيين وغيرهم في سنوات الشظف والكدح.
لكلِّ بيتٍ في عُمان ذكرى وذاكرة مع الكويت والكويتيين، ولكل عُماني انطباع مع الكويت في فن أو رياضة أو مسرح أو صحافة؛ فقد كانت الكويت سبَّاقة بين أقطار الخليج حيث انتزعت لنفسها ألقابا عدة؛ منها: عاصمة الطرب الخليجي، وعاصمة الرياضة الخليجية، وعاصمة المسرح الخليجي، وعاصمة الثقافة الخليجية، وعاصمة الصحافة الخليجية، ونموذج للديمقراطية وحرية الرأي، ودولة رائدة في العمل الخيري تجاه شعوب الأرض قاطبة، بفعل الصندوق الكويتي للتنمية والاستثمار والجمعيات الخيرية الأهلية وصندوق الزكاة، والتي تعود بالخير والنفع على مشارق الغرب ومغاربها.
لم تحتكر الكويت قلوبَ العُمانيين وتتربع على عرش محبة أهل الخليج فحسب، بل استحوذت على قلوب الشعوب العربية كذلك، بفعل مواقفها العروبية الصادقة تجاه عدد من القضايا المصيرية للأمة العربية كقضايا التحرُّر العربي كما في الثورة الجزائرية والقضية الفلسطينية.
لا يُنكر أحدٌ من المعاصرين أو العارفين بالشأن الكويتي فَضْل رجالات الكويت وإسهاماتهم وتفانيهم في دعم ونصرة القضايا العربية العادلة، واحتضانهم رموزَ النضال العربي في أحلك الظروف.
مَنْ لم يَنْعَم بخير الكويت في داخلها، فقد وصله خيرها عبر أبنائها النجباء بأياديهم البيضاء، والتي ساحت في الأرض، وكفكفت دموع اليتامى والمعوزين، وسندت الضعفاء من أقطار وشعوب. كانت الكويت لنا أنموذجا يُحتذى، وقبلة تُقصد للنهل من تجاربها التنموية على الصعد المادية والمعنوية.
حين تعرَّضت الكويت لمحنة الغزو عام 1990م، سخَّر الله لها العالم لخدمتها، وقيَّض لها من الأسباب التي لا يفهمها سوى العارفين بالله والذين يعلمون بأن "من سار بين الناس جابراً للخواطر أدركه الله في جوف المخاطر".
تستقي الكويت اليوم شخصيتها السياسية وهويتها من كاريزما صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الصباح أميرها وعميد الدبلوماسية العربية في وقت من الأوقات، والذي كان شاهدًا على عصر من القضايا المصيرية والأحداث الدولية؛ حيث أنضجته التجارب وعرفته السياسة ودهاليزها.
لا شك أنَّ المنطقة اليوم تُعانِي من إكراهات الواقع؛ الأمر الذي يتطلب منا ويفرض علينا الإذعان للواقع والتكيُّف مع مُتطلباته، وأن نتحلى بالكثير من الواقعية، ونتزود بالعقلانية، ونستفيد من تراكمات التجارب السياسية التي عَصَفت بالمنطقة، وبدأت بواكيرها ونُذرها منذ ستينيات القرن الماضي، وما زالت تدفع بتداعياتها وارتداداتها إلى اليوم.
لا شكَّ أنَّ الحِكْمَة العُمانية والكاريزما الكويتية قادرتان على صياغة هُوية فاعلة ومثمرة للمنطقة، هذه المنطقة التي قُدِّر لها أنْ تعيش عقودًا قسرية مُلتهبة ومُتوترة بعد عُقود من الرخاء والسلم والاستقرار، بفعل نظرة وسياسات جيل الآباء المؤسِّسين في أقطار الخليج، والذين اعتمدوا سياسات النأي بالنفس عن المزالق السياسية الكبرى والمحاور والتحالفات ذات الأجندات الخاصة.
يجب أنْ لا يُوْصَف حديثنا ويُبْصَم بالتشاؤم حين نقول بأنَّ لقاء مسقط بين الزعامتين، وما سبقه من ترتيبات، قد يكون الفرصة الأخيرة لإغلاق ملفات خلافية حادة ومُلتهبة، تسللت من خلالها الكثير من النوايا والمخططات السيئة للمنطقة، ونالت من أمنها ومُقدِّراتها الكثير، وجعلت منها كالملف المفتوح القابل للمزيد من الأوراق التي تحمل الكثيرَ من المفاجآت والعواقب غير الحميدة.
أمن الخليج واستقراره وتنميته بيد أبنائه، ما لم يُفرِّطوا في ذلك، ويسلِّمون أمرهم وقدرهم للآخرين.
نحن بحاجة ماسة اليوم -وأكثر من أي وقت مضى- لاستعادة زمام المبادرة لإعادة تقييم أولوياتنا في التنمية والسياسة، ونسق علاقاتنا ببعض، ومع مجالنا الحيوي، علاقات عقلانية تقوم على مبادئ وقواعد التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة، وفي إطار من الاحترام والثقة المتبادلة بما يعيد لنا الاستقرار ويعزِّز الأمنَ الأقليميَّ ويوسِّع دائرة الأصدقاء، ويقلص من دائرة المتربصين والأعداء.
----------------------------------
قبل اللقاء : اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.. إنك سميع مجيب.
وبالشكر تدوم النعم....!
Ali95312606@gmail.com