ماء الصرف الصحي صالح للشرب

 

 

 

راشد البلوشي

 

أثناء مُهمَّة عمل صحفية كُلِّفت بها من قبل عملي الصحفي السابق لتغطية زيارة أحد مسؤولينا الحكوميين إلى إحدى الدول الآسيوية، مساحتها 710 كم متربع، لا تتجاوز مساحة إحدى دول الخليج، ليس لديها نفط ولا تعتمد موازنتها على الموارد النفطية، تقع على جزيرة في جنوب شرقي آسيا، وتعدُّ خامس مرفأ في العالم من ناحية النشاط.

كُنَّا نرافق مسؤولًا رفيعَ المستوى لتغطية الجولة، إلى أنْ وصل برنامجنا لزيارة محطة الصرف الصحي، والاطلاع على مدى الاستفادة من مُخلفات الصرف الصحي.. المسؤول تجوَّل في أقسام المحطة، من قسم إلى آخر، حتى وَصَل إلى المحطة الأخيرة وهي المحادثات بين مسؤول محطة الصرف الصحي في تلك الدولة وبينه والوفد المرافق له.

وقبل أن يبدأ الحديث وُضِعت أمام الوفد العُماني قنينات ماء، فأخذ الجميع يشرب، لدرجة أنه لم يبقَ من الماء شيء، شرب الجميع، ولم نشعر بامتعاض من هذا الماء.

وقبل بدء الحديث من قبل مسؤول تلك الدولة، وجَّه حديثه إلى المسؤول العماني، وقال له: ما رأيك في الماء؟ فأجاب بكل ثقة: ماء بارد، روى عطشنا من جراء المسافة التي قطعناها في المحطة، وذو جودة عالية.

فقال المسؤول: إنَّ هذا الماء مُصفَّى من تحلية الصرف الصحي، ونعتمد عليه في معيشتنا، يمرُّ على مراحل مختلفة حتى يصل إلى مرحلته الأخيرة من التحلية كماء صالح للشرب.

خيَّم الصمتُ على أعضاء الوفد العماني، وأخذوا يتهامسون ويتبادلون الضحكات؛ فمنهم من أخذ "يتلوع ويشمئز"، والآخر كتم أنفاسه، بينما تحدث رئيس وفدنا بكلمات دبلوماسية تعيد للجو شيء من المرح والسرور.

نعم.. بحجم هذه الدولة الحديثة لا تملك نفطًا وليست لديها موارد طبيعية، ولكن لديها موارد بشرية وتعليم بمعنى الكلمة، سخَّرتْ طاقات شبابها في الابتكار؛ لدرجة أنها استطاعت أنْ تستفيد من محطات الصرف الصحي لإنتاج ماء صالح للشرب، وتصبح دولة متطورة ومتقدمة.

إذا كانت هذه الزيارات المكوكية إلى دول العالم المتقدم في العلوم والتقنية التي استطاعت أن توظفها لصالح شعوبها، وتتحمَّل حكومتنا مصاريف الرحلة -قصدي المهمة- لم تنعكس إيجابا على أرض الواقع، فما أهمية مثل هذه الزيارات؟ وما فائدة التصريحات التي يُدلى بها أمام الرأي العام؟

فالوفود التي تأتي إلى السلطنة تطلع على تجاربنا في السعفيات، والخزفيات، وما تملكه السلطنة من قلاع وحصون، جسَّدوه إلى واقع، من خلال مصانعهم التي تنتج وتحاكي موروثاتنا، وتباع لنا. أما نحن، فماذا فعلنا وصنعنا وأنتجنا وبعنا لهم؟!

 لديهم محطة صرف صحي، ولدينا محطات صرف صحي، ولكنْ هناك بَوْن شاسع في عملية الاستفادة من كلا المحطتين.. أين تكمن كلمة "تبادل الخبرات"؟

إذا لم نستفد من تجارب الآخرين بشكل حقيقي، فلا داعي لهذه المهمات الرسمية، التي لا تعود على أرض الواقع بفائدة، فلنكتفي بإرسال المهندس والمختص إلى هذه الدولة ليعيش تجاربهم وينفذها في بلادنا، أو نجلب مصانعهم إلى أرضنا لتخرج لنا من كنوز أرضنا الخيرات!!!

almeen2009@hotmail.com