صباح المدارس.. طفولة وإلهام

 

 

هلال الزيدي

 

هم الحياة عندما يتنفس الصبح مُعلنا عن حياة تدبُّ في النفوس، هم الورود التي تتفتح زاهية بندى العمل، هم الابتسامة التي تتسلَّل من بين وجوه تعفَّرت بأديم الأرض، هم كلمة البداية في صباح نحتاج فيه إلى إيقاظ شعور الإحساس بمن حولنا، هم النسيج الذي يغزل لباقة الحديث وسمو المشاعر، هم أمل اليوم ودعامة المستقبل، فكيفما نشأوا أثمرتْ ضحكاتهم وأمنياتهم حبًّا ووفاء لهذا الوطن.

هم نزاهة تتشكل في صباح كل يوم، هم شفافية لا تقبل المساس بأركان الحياة، هم تواصل صادق يُوْقِد شموعَ العطاء في كل مكان وزمان، هم حنان مُمتد بامتداد رغبتنا في تأسيس المسار لهم، هم الصدق بذاته عندما يقهقهون سعداء بأيد امتدت لهم، هم كل شيء، وأول شيء، هم في مُقدِّمة الركب يستشرقون مستقبلهم؛ فلنؤثِّث لهم الطريق حتى يجدوا مبتغاهم.

ما أجمل تلك البراءة التي تُعلمنا معاني الحياة والوفاء والإخلا ص، وما أروع تلك الطفولة عندما تبث فينا حماس الرغبة بأن نكون في خضم الحياة مؤثرين ومتأثرين، ما أرقى تلك الأحلام التي تنسجها تلك الأصوات عندما ترسم مسارها وتتمنى أن تكون أحد معاول البناء لهذا الوطن، ما أزهى تلك الأصوات وهي تأتينا عبر إذاعة الشباب بصباحاته المختلفة، فنحن نغبط زميلنا راشد السعدي وهو يبحث عن كلمات يُدفء بها مشاعر تلك البراءة؛ فهناك العفوية التي تنطلق إلى عوالم الجفاف لتخضر الأرض، وتلك المساحة مليئة بالعبر والرسائل التي نحتاج إلى تتبعها وتحليل مضامينها من أجل تلبية دعوات أجيال يريدون أن يبنون سُلما ليرتقوا بوطنهم.

تأتينا تلك الأصوات عبر أثير "إذاعة الشباب" نقيَّة عفويَّة مُنطلقة إلى الحب والمعرفة.. نعم إنها أصوات الوجود والقلوب البيضاء، تلك الأصوات روايات وحكايات مشوقة تغزل تفاصيل الشروق وترسم إطلالة القمر في منتصف الشهر، تلك الأصوات نشيد وطني عذب الكلمات وافي المعاني يتسم بالبسالة والبطولة، تلك الأصوات سحابة ترعد نقاءً وصفاءً لتزهو الأرض بخضرة الوجود؛ فكم من صوت طفولي أوقد في نفوسنا الحياة من جديد.

يُقال -وحسب ما ورد في الأثر وقصص الواقع- أنَّ الكِبْر تكسره الطفولة، فمن خالطه الكِبْر والإحساس بالأنا فعليه أن يتعرض لبراءة طفل يسأل عن تفاصيل ما حوله؛ فبالتأكيد التسلط الذي يهيم فيه البشر ما هو إلا أحاسيس تتبدد عندما نرى طفل يبني قصرا برمال ألعابه، هنا يدرك المتسلطون أنه لا مجال للغطرسة في التعامل؛ لأنَّ الحياة طفل يكبر بأحلامه وينتشى بنجاحاته.

... إنَّ إيجادَ مساحات إعلامية تُخصص للأطفال عبر مختلف الوسائل الإعلامية ضرورة ملحة في عالم متسارع تشكّله الماديات؛ لأنَّ الطفل كائن مكتنز بالكثير من الأسئلة، وكثير من الرغبات، وكثير من الحب والإخلاص، وكثير من الأحلام والتطلعات، وكثير من البساطة التي تعطي انطلاقا كبيرا نحو تحقيق الأهداف، وما يُقدِّمه برنامج صباح الشباب في فقرة صباح المدارس جزءٌ من كل، يقدم كوجبة صباحية لمن يصحو صباحا مغمض العين؛ فتلك الأصوات تناديه بأن يتطلع إلى يومه ويكسوه بالتفاؤل لخوض غمار العطاء.

إنَّ النزول إلى عقول الأطفال الطاهرة ببراءة النوايا، ما هو إلا تحسُّس لبناء مكوناتهم؛ كون الطفولة أهم مرحلة تكوين الإنسان، وهذا التفاوض أو التواصل يساعد على صقل كفاءة وشخصية الأبناء ليكونوا مُتزنين عقليا وعاطفيا وبدنيا، فكلما كُنَّا صادقين معهم، سنستطيع أن نُوْجِد جيلا ينتهج الصدق في تعاملاته، وكلما حافظنا على حقوقهم، استطعنا أن نعبر بالوطن إلى مرافئ الأمان، ليكونوا قادة المستقبل بكل جدارة، وكلما كان الحافز الفكري لهم ملامسًا للواقع استطاعوا أن يحققوا أمنياتهم.

ما أروع تلك الكلمات عندما تقع على مسامعي عندما تتحدَّث البراءة عن أمنياتها المستقبلية بأن تكون مهندسة أو مهندس دكتور أو دكتورة.. فهذا بحد ذاته يُلقي علينا عبأً بأنْ نقوم بدورنا ليجد هؤلاء الأطفال طريقا مُمهَّدا لهم بحاجياتهم الأساسية، من أجل طفولة تبث فينا حب الوطن.

حقا.. فعندما أستمع إليكم أركِّز سمعي حتى لا أُشتت انتباهي؛ لأنَّ الكلمة التي تفوح عطرا ستعطر الأجواء وتتألق في سماء الإبداع؛ فكم أنتم مبدعين تحتويكم البراءة فتبثون في نفوسنا الكثير من الإيجابيات. فشكرا لكم.. وشكرا لأحلامكم التي تكبر في قلوبنا، وشكرا لإذاعة الشباب، وشكرا لمن يتسامر معكم، شكراً أخي راشد على قربك منهم.

---------------------------------

همسة:

أحنُّ إلى طفولة كانت بريئة بتفاصيل اللحظات.. أحنُّ إلى صدر احتوى شقاوة التجارب والحياة.. أحنُّ إلى طفولتي ودلال أمي واشتياقي لوجدان أبي.

abuzaidi2007@hotmail.com