د. عبدالله باحجاج
اختتم مؤتمر عمان الدولي للمسؤولية الاجتماعية دون أن يفتح الأفق المستقبلي المستدام للمسؤولية الاجتماعية للشركات في بلادنا، رغم أنّه دق ناقوس الخطر على قضية الباحثين عن عمل، وربطها (بكوارث) قد تحدث في دول المنطقة إذا لم تقم الشركات بدورها الوطني خلال المرحلة الراهنة، وقد شاركت في هذا المؤتمر شركات عمانية كبرى حكومية وخاصة؛ تخصص الملايين سنويا للمسؤولية الاجتماعية، فهل تستوعب مثل هذا التحذير؟ حتى الآن ليس هناك ما يشير على الأرض ولا على مستوى التنظير ما يجعلنا نقول إنّ الشركات العمانية تعي الآن مسؤوليتها الوطنية الجماعية، وستظل تعمل كما كانت قبل المؤتمر بمعزل عن بعضها البعض في فردانية وعشوائية وتشتت وتضارب.
وهذا لا يمكن الرهان عليه في مواجهة ما يحذر منه الخبراء، خاصة وأن بلادنا تعاني كغيرها من دول المنطقة من قضية تراكم أعداد الباحثين عن عمل، ومن عجز الحكومة في توفير فرص عمل لهم، وهنا ينبغي أن نُحمّل ثلاث جهات مهمة صناعة مسؤولية اجتماعية مستدامة للشركات، وهي مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار، كونه كان حاضرًا بقوة في المؤتمر وقد تعرّف على نماذج وقصص تجارب ناجحة للمسؤولية الاجتماعية من قبل شخصيات عربية وخليجية رفيعة المستوى، وكونه المختص بالتنمية الإقليمية، ويفترض أن يحمل لواء هاجسها، والثاني، فرع غرفة تجارة وصناعة عمان، الراعي لهذا المؤتمر، وبيت الشركات في محافظة ظفار، وكذلك كون رئيس فرعها الشيخ عبدالله الرواس قد منحه المؤتمر لقب السفير الدولي للمسؤولية الاجتماعية، فمن الأحرى أن يكون همّه داخليًا بالتوازي مع الخارج، وإن كان اللقب شرفيا، والثالثة، شركة صلالة للميثانول التي أبهرت المؤتمر بتوقيع ثماني اتفاقيّات في إطار التزامها بالمسؤولية الاجتماعيّة إلى جانب تخصيصها مليوني ريال سنويا للمسؤولية الاجتماعية، وهذا ما يدفعنا إلى أن نحمل هذه الجهات مسؤولية تحرير المسؤولية الاجتماعية من النمطية والفردانية إلى العمل الجماعي المشترك، المنتج للنتائج الإيجابية التي تؤسس النقلة الكمية المطلوبة لمواجهة الكوارث – لا قدر الله - لن نقلل من نتائج المسؤولية الاجتماعية للشركات في صيغها ومساراتها الراهنة، لكنها محسوسة نوعيا، وليس كميا، والنقلة الكمية المبرمجة وفق الخطط، قد أصبحت من أهم الاستهدافات الآن بعد أن أصبحت الحكومة خارج عدة ملاعب أبرزها، التوظيف والعمل الاجتماعي المستدام، بحكم ما تمر بها من ظرفية مالية، من هنا نتمنى أن يخرج من محافظة ظفار وبمبادرة من تلك الجهات الثلاث وعي جديد، يعبر عن مدى الاستفادة من تجارب العالم في المسؤولية الاجتماعية، ويصنع من المنظور الإقليمي تجربة جديدة تستفيد منها بقية المحافظات، بل والمنطقة كلها، والإمكانية متاحة وبسهولة إذا ما توفرت الإرادات الصادقة في العمل الجماعي بعد توفر الإرادة في العمل الفردي، وقد ضربنا بشركة صلالة للميثانول نموذجا في مقالنا السابق في ظل ما تخصصه سنويا (مليوني) ريال للمسؤولية الاجتماعية، ومبادراتها الجديدة في مؤتمر المسؤولية الاجتماعية، تفتح فعلا الأفق الممكن للعمل الجماعي الموحد والمشترك بين كل الشركات الحكومية وشبه الحكومية والخاصة التي تتواجد داخل محافظة ظفار، لأنّ هدفنا هنا النتائج الكمية الملموسة وليس النوعية رغم أنّها ملموسة كذلك، ومقدرة عاليا، وهذا ما تجلى لنا من خلال حضورنا الجزء الأول للمؤتمر، فالاتفاقيات الثمانية التي وقعتها الشركة مع عدة جهات حكومية، وفي قطاعات مختلفة، تمس البعد الاجتماعي في صلب بنياته التحتية، فمثلا، الاتفاقية الأولى، كانت عبارة عن مساعدات دراسية لأبناء أسر الضمان الاجتماعي والدخل المحدود والأيتام في ظفار بمبلغ (118،532) ألف، فكيف، لو كان هناك جهدًا مشتركا ومبرمجًا من قبل كل الشركات يصب في هذه القضية؟ لربما تم حل مشكلة هذه الفئة بصورة كاملة؟ فكيف بمستقبل مشهدنا إذا ما علمنا وفق ما يقال، أنّ هناك توجها بوقف المنح للطلاب الدارسين في الجامعات الداخلية الخاصة، هنا يظهر دور العمل الجماعي للشركات، والاتفاقية الرابعة، تنص على تمويل مشروع إنشاء وحدة التوحد بصلالة بقيمة (300) ألف ريال، وكلنا نعلم، العدد الكبير من مرضى التوحد في ظفار إلى حد أن (3) آلاف ريال المخصصة سنويا لكل طفل، قد أصبح يشكل عبئا ثقيلا على وزارة التنمية الاجتماعية بسبب الأزمة المالية، وحتى في هذه الحالة، لم تتمكن من تأمين حق رعاية وتعليم وتأهيل أطفال التوحد بصورة كاملة، فأغلبيتهم تضج به منازلهم، وتعاني منهم أسرهم أشد المعاناة، وتصوروا هنا، مدى الحاجة إلى العمل الجماعي لتأمين حقوق التوحد كاملة..!
والاتفاقية الخامسة، تمويل شراء بعض المعدات والأجهزة الضرورية لوحدة الطب السلوكي بمستشفى السلطان قابوس بصلالة بقيمة (47،600)، وكلنا نعلم تزايد الحالات النفسية، فيمكن معرفة حجم هذه المشكلة من خلال ما نشاهده على الطرقات والشوارع، فهل نحافظ على كرامتهم؟ والسادسة، تمويل شراء جهاز فحص المؤثرات العقلية بمستشفى السلطان قابوس بصلالة، وربما يكون هذا الجهاز هو الوحيد في ظفار، وكلنا نعلم كذلك، ظاهرة المؤثرات العقلية، وتناميها، إذن، تلكم الاتفاقيات في جوهرها تمس فعلا الحاجة الفعلية للمتطلبات الاجتماعية العاجلة، كما أنّها تدلل على أهمية العمل الجماعي المشترك للمسؤوليات الاجتماعية لكل الشركات دون استثناء، فهل ستتحرك الجهات الثلاث لصناعة مسؤولية اجتماعية للشركات بصورة مستدامة وعبر مؤسسة واحدة – وفق ما اقترحناها في مقال سابق - لكي نلمس النتائج الكمية الآن؟
النتائج النوعية والجزئية التي تحققها المسؤولية الاجتماعية الفردية للشركات، ربما تكون مقبولة في مرحلة ما قبل الأزمة النفطيّة، أمّا الآن، فإننا نعول على المسؤولية الاجتماعية للشركات كخيار استراتيجي عاجل مهما ارتفعت الأسعار النفطية، ومهما انخفضت، فالمشهد الوطني لن يرجع كما كان عليه قبل الأزمة النفطية التي تفجرت في منتصف عام 2014، لعدة أسباب جوهرية، منها اختيارية، وأخرى مفروضة بحكم التحولات الكونية الجديدة، والفاتورة المالية الضخمة التي ينبغي أن تدفعها الدول الخليجية، والأغلب فيها، أنّ دول المجلس الست، قد وجدت في هذه الأزمة فرصة مواتية لتصحيح مجموعة سياسات مالية، وفرض ضرائب جديدة، لكي تتمكن من تغطية التزاماتها المالية الجديدة الناجمة عن التراجع العسكري الأمريكي عن الخليج، ودخول بريطانيا كمعادلة جديدة في الأمن الإقليمي بعد أن انكشف للخليج المخاطر الجيواستراتيجية الخارجية، لكن، ماذا عن المخاطر الداخلية؟ مؤتمر عمان الدولي للمسؤولية الاجتماعية قد استشرفها مسبقا عندما توقع كوارث، وقد سماها بهذا الاسم، إذا لم تمارس الشركات دورها الجديد بديلا عن الحكومات في المنطقة.
كلنا على ثقة تامة، بأنّ التجاوب مع مبادرة تأسيس كيان مؤسساتي - صندوق مقترح سابق - للمسؤولية الاجتماعية الجماعية، سوف يحظى بالقبول من قبل الشركات الحكومية وشبه الحكومية والخاصة، فرؤساء أغلبها من بني وطننا، ومن الذين يشعرون بما نشعر به، وبما نقلق منه، وبما نطمح إليه لكي تظل بلادنا آمنة ومطمئنة على الدوام، فهل ستسارع الجهات الثلاث أو حتى واحدة منها إلى حمل الشركات على التضامن مع المجتمع عبر إقامة هذا الكيان المؤسساتي؟ سنتابع القضية لمعرفة آفاقها والمعوقات التي تقف أمامها، لإيماننا بدور هذه الشركات الوطني خلال المرحلة الراهنة.