ما الّذي يجري في حلب؟!

 

سلطان الخروصي

 

يبدو أنّ المشهد السوري عموما والحلبي خصوصا تشوبه الكثير من المغالطات والتّكهنات يوازيه إسهاب غير مسبوق في التمثيل وصناعة السيناريوهات الإعلامية المتضادة، لكن وفي الإجمال يبدو من خلال المعطيات السابقة لتعامل النظام مع الأحياء المعارضة له وبالأخص الريفية منها تغلب على تصرّفه سلطة البطش وانتهاج سياسة الأرض المحروقة، ولكن السؤال الذي يطرح وبقوة في هذه المعمعة: لماذا كل هذا السخط على حلب وفي هذا التوقيت حيث بدأت سماء الوطن تضيق بأهله فترسل لهم "طيرًا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل"؟!

للإجابة عن السؤال السابق دعونا نلتفت قليلا إلى المشهد العراقي فربما يمكننا إيجاد عامل الرّبط بينهما مع فارق في الزّمان والمكان وآلية التنفيذ، كما يمكننا استيعاب ماهية ودلالة فرقعة الأصابع السياسية بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في الوحل العربي، علاوة على الوقوف بمدى خواء المشهد السياسي العربي مع تغيرات المرحلة وعدم إدراكها لمصالحها الجيوسياسية إطلاقا، كما أن في ذلك ضربة قاصمة للواقع التعليمي العربي الذي تجلّت نتائجه من خلال ضياع عقيدة المواطنة والمسؤولية الاجتماعية لمجرد حفنة مصالح حزبية أو قبلية أو نعرات طائفية.

بالرجوع إلى المشهد العراقي وعبر انطلاق حكومة الدبابات وزبانيتها من الحلفاء عبر شمّاعة  "تحرير الفلوجة" وما آل إليه الواقع من فظائع مؤلمة بقتل الحياة والمدنيّة بحجة التخلص من دواعش الفكر والسياسة بأي وسيلة وإن قلب عاليها بسافلها – وذلك الذي حدث – والانتقال بعد ذلك إلى الموصل وبإيعاز ودعم منقطع النظير من أصدقائهم الأمريكان، وفي ذلك دلالة على هشاشة القوة الأمنية التي تمتلكها الدولة؛ فلا يمكن الثقة والاعتماد على نظام سياسي قيادي يحكم جمهورية عريقة وهو يمدّ ساطور الذبح بين المواطنين الآمنين بحجة التخلص من شرذمة العصابات المبعثرة، بل كان حريّ ومن باب المسؤولية الأخلاقية للدولة تطويع وسائل التكنولوجيا مع حلفائها لتحديد المواقع والنقاط الاستراتيجية وإحكام السيطرة على المدن الرئيسية وتطهير البلاد من هكذا فيروسات إنسانية، لكن يبدو أنّ "الأصدقاء" يسترخصون دماء الشعب وثروته الوطنية الدائمة عوضا عن تكريس ما توصلت إليه التكنولوجيا، لتكون النتيجة جرائم حرب وتصفيات ممنهجة وتدمير مؤسسات الدولة ومعالم الوطن ولسان حال مجلس الأمن الدولي "لا أسمع.. لا أرى.. لا أتكلم"!

لو سحبنا خيطا رفيعا مما يحدث في العراق  وبسياسة "خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه" نجد أنّ النظام السوري وبقيادة زعيمه الفعلي – بشار الأسد – وإيعاز من روسيا بدأ ينتهج سياسة الأرض المحروقة كما فعلها الأمريكان قبلهم في الفلوجة والموصل، فها نحن نتابع بين حين وآخر أبابيل من القنابل والبراميل المتفجرة والقّناصة وكل ما أوتيت به آلة الحرب من قتل؛ لتدّك كل شبر من حلب، فلا صوت يعلو على صوت "الجيش"، ولا نبض بالحياة إلا نبض العسكر، ولا ساكن يتحرك قيد أنملة إلا وشرارة الموت تلتهمه بشهيّة مفعمة، وكأن الروس – اللاعب الرئيس في سوريا – ينابزون الأمريكان بإسقاط ما فعله الأخير في الضفة السورية ولسان حالهم من سيصرخ أولا يخسر رهان الشرق الأوسط؟

بالمقابل نشهد انجرارا عربيا مريعا إلى كهنوت اللا هدف؛ فسياسيا لا يملك العرب انسجاما عروبيا موحدا بقوميتهم ونخوتهم لبعضهم البعض، ودينيا بدأ البعض وكأنه في عكاظ الجاهلية يبيع خمرًا من فتاوى المزاج متناسيا بساطة دين نبيه الكريم الذي كان يخصف نعّليه، ويجمع الحطب، ويحلب الشاة، ويرحم الصغير، ويوقر الكبير، ويفترش الحصير، وينام وقد نال الجوع منه نيلا بليغا، فأصبح البعض يثّأر لمذهبه وفكره ويستبيح وطنه وبني جنسه وهو عند الله صغير، واقتصاديا فالعرب لا يملكون عملة موحّدة، ولا توحيدا جمركيا، ولا ترويجا اقتصاديا فيما بينهم (الاستثمار) بل حتى في عمودهم الفقري للاقتصاد ونعني النفط لم يجرؤا على الوقوف مع مصالحهم حتى استنزف الأصدقاء جيوبهم وبدأوا يشحتون حينها فقط اتخذوا قرارهم على استحياء بضرورة التقليل من الإنتاج لرفع القيمة السوقية للذهب الأسود، واجتماعيًا أصبح مواطنوهم يشعرون بالغربة في أوطانهم؛ فهجره بعضهم ولسان حالهم "والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلي ولولا أنّي أُخرجت منك ما خرجت"، وأمّا تعليميا فنتاج الواقع خير شاهد على مخرجات النظام التعليمي العربي!

نحن لا نرسم صورة سوداوية للواقع العربي بقدر ما أننا نقرأ زوايا المرحلة لاستشراق وتوحيد المستقبل العربي الممزّق أصلا، وما يجري في حلب وربما في مناطق قادمة لا يجمع الشمل ولا يحلّ الإشكالية في سوريا بل يسوؤها أكثر من ذلك؛ والروس ومع توافق سياسة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب يحاولون استغلال الفراغ السياسي حتى يناير القادم بإفساح المجال لحليفهم "الشخصي" للشروع في مرحلة مدروسة بعناية وحرفيّة، قد يتفق البعض أن بقاء الرئيس السوري الحالي هو "خير وأعظم أجرا" من جحيم الجاهلية التي تعيشها بعض دول العالم الثالث، لكن من الضرورة بمكان ألا يتم إسقاط الأرض المحروقة في الفلوجة والموصل على حلب وما يحضّر له في المرحلة المقبلة؛ فقد سئم الموت من أهل سوريا، وحان الوقت لمصالحة وطنية أساسها إخماد صوت الرصاص ووضع الوطن بين أهله وليس بين أحضان الأقزام والغرباء.

دمتم بود..

Sultankamis@gmail.com