حميد السعيدي
ترسيخاً للفكر المستنير والمبادئ السامية والنهج السلمي لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم في تصميم السياسة العُمانية المحلية والإقليمية والعالمية والتي تنطلق من خلال منظومة فكرية قائمة على "أنّ سياستنا الخارجية معلومة للجميع فنحن دائمًا إلى جانب الحق والعدالة والصداقة والسلام وندعو إلى التعايش السلمي بين الأمم وإلى التفاهم بين الحضارات" قابوس بن سعيد، فقد أصبحت عُمان اسما له قيمته ومكانته في العالم المتحضر، ووجهة للباحثين عن السلام والاستقرار في عالم مضطرب ومتصارع، نتيجة للمنهجية السامية القائمة على نشر السلام وبناء الحوار والتعايش بين الدول والشعوب، والتي انبثقت من فكر جلالته منذ توليه الحكم في البلاد حيث أسس منهجية قائمة على نشر السلام والتعامل مع الشعوب والدول بالحوار السلمي بناء على توجيهاته السامية في خطابه عام 1972 "أنّ سياستنا الخارجية تقوم على الخطوط العريضة الآتية: انتهاج سياسة حسن الجوار مع جيراننا وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة؛ تدعيم علاقتنا مع الدول العربية وإقامة علاقات ودية مع دول العالم؛ الوقوف بجانب القضايا العربية في المجالات الدولية" هذه الخطوط التي رسمها جلالته مع بداية عهد النهضة المباركة، هي اليوم تجني ثمار تلك السياسة من خلال توثيق العلاقات مع كل دول العالم القائمة على المواثيق والمبادئ الدولية، فلا غرابة أنّ ما حققته عُمان أتى نتيجة للعمل الجاد والمخلص القائم على أن الأقوال تترجم إلى أفعال جادة ومثمرة، انطلقت في بناء علاقات عُمانية مع جميع دول العالم تقوم على احترام الآخرين، وعدم التدخل في شؤونهم الداخلية، والالتزام بالمواثيق الدولية ومبادئ الأمم المتحدة، والمنظمات والهيئات الدولية، وتأسيس نظم للتواصل والتي تنطلق من مبادئ وأهداف سامية، تسعى نحو تحقيق السلام ومعالجة القضايا الدولية، بالحكمة والعقلانية، وهذا ما جاء في خطاب جلالته عام 1997م "إذا كان العالم لا يخلو من النزاعات والمشاكل بحكم تضارب المصالح، فإننا نعتقد جازمين أن بناء الثقة بين الشعوب، وتأكيد أواصر الصداقة مع الدول، والعمل على تحقيق المصالح المشتركة، ومراعاة الشرعية الدولية، والالتزام بالمعاهدات والقوانين.. كل ذلك يؤدي إلى مزيد من التفاهم الواعي والتعاون البناء من أجل انتصار الأمن والسلام" وهذا النهج العُماني كان له تأثير أولاً في علاقات عُمان في محيط جوارها والذي انطلق من سياسة الثقة المتبادلة بين الأطراف، بالرغم مما تعرضت له المنطقة من أحداث كبيرة ظلت العلاقات قائمة بين عُمان والدول المجاورة لها، وهنا تترسخ معاني ومبادئ وقيم السلام، كل هذه الاهتمام ينبع من الأهمية العظمى للسلام والاستقرار، حيث يعتبر وسيلة لتحقيق النمو الاقتصادي، وبناء العلاقات بين الشعوب، وتوفير الحياة الكريمة للإنسان، كما يسهم السلام على تطور الحياة البشرية، وعلى القضاء على الخلافات والصراعات التي تقضي على الحياة بصورة عامة، وتنتهك حقوق الإنسان، إلى جانب دور السلام في تحقيق التقارب بين الحضارات، وبناء العلاقات الثقافية وانتشار القيم والاتجاهات الفاضلة، ونظراً لأهمية السلام فقد كان من أهم أهداف جلالته في تحقيق التعايش السلمي بين جميع شعوب العالم.
وبهذه المنهجية استطاعت عُمان أن تصبح تحت قيادة جلالته، دولة عظمى، ووجهة للكثير من القضايا والإشكاليات الدولية، وبحثاً عن الوساطة ذات التأثير بين المتخاصمين، فلا ريب أنّ تستضيف الكثير من جلسات الحوار السلمي العالمي بحثاً عن المخارج التي تقود إلى تقارب وجهات النظر، وهذا ما أكّده جلالته في خطابه عام 1974: "أننا نؤدي دورنا في المجتمع الدولي، ومحافله بإيجابية وفعاليةُ ونشارك في حل القضايا العادلة، ونحن كأمة إسلاميّة نضع نصب أعيُينا القيم النبيلة والأفكار السامية والتمسّك بمبادئ ديننا الحنيف" وخلال العقود الماضية كانت عُمان قادرة على تحقيق الأهداف السلمية، وتحقيق الرؤية التي صممها جلالته، مستخلصة من الفكر السامي القائم على الاستقلالية في شؤونها الداخلية والخارجية، مبنية على أسس قائمة على احترام الآخر، بالإضافة إلى مساهمتها في إيقاف الكثر من الصراعات الدولية، مستلهمة من ذات الفكر الذي يؤكد في كل المحافل الدولية على الرؤية الحكيمة من باني النهضة العُمانية، حيث يؤكد جلالته في خطابه عام 1979م على النجاحات التي تحققت: "وعلى الصعيد العالمي لعبت السلطنة دوراً نشطاً في السعي إلى تحقيق السلام العالمي والدفاع عن حقوق الإنسان، فقد سعينا في أورقة الأمم المتحدة وعن طريق المبادرات الثنائية مع الدول الأخرى إلى تعزيز التعاون والتفاهم بين شعوب العالم".
ونتيجة لتجسيد منهج السلام لدى الفكر السامي لجلالة السلطان قابوس بن سعيد وانعكاس ذلك على الدبلوماسية العُمانية؛ في دورها الريادي في المشاركة والمساهمة في معالجة العديد من القضايا الدولية، وسعيها نحو تحقيق السلام والاستقرار العالمي، بفضل توجيهاته السامية وإيمانه بأهمية ذلك على المستوى العالمي؛ جاء التكريم لجلالته كأول قائد يتم منحه جائزة السلام الدولية في حفل تاريخي بالعاصمة الأمريكية في 16 أكتوبر 1998م، وحينها صرح الرئيس الأمريكي جيمي كارتر خلال تسليم الجائزة "على مر السنين أعجبت شخصياً بجهود جلالة السلطان الشجاعة لإحلال السلام في منطقته من العالم، لقد نشر جلالته السلام بطرق عديدة، إنّ حصول جلالته على جائزة السلام الدولية ما هو إلا اعتراف دولي بدور جلالته الفاعل في خدمة السلام الدولي. إننا نعتبر جلالته مصباحاً منيراً لمحبي السلام". كما تمّ تكريم جلالته بحصوله على جائزة السلام من الجمعيّة الدولية الروسية، وذلك تقديراً لجهوده في السلام العالمي، في حفل أقيم في موسكو العاصمة الروسية في 18 يوليو 2007م.
لذا يعتبر جلالة السلطان قابوس بن سعيد من الشخصيات العالمية المؤثرة في العالم، من خلال مقدرته على تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، ودعوته المستمرة من أجل بناء عالم خال من الصراعات، قائم على التعايش السلمي بين جميع شعوب العالم، من خلال تبني منهجية السياسة الدولية القائمة على الحيادية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام المواثيق والعهود الدولية.
واليوم الذي يرسم فيه المواطن العُماني ملحمة وطنية خالدة يفتخر بما تحقق من منجزات عظيمة، ويستنير من خلال الثقة السامية من جلالته في استمرار المشاركة؛ والعمل في مسيرة بناء الوطن؛ فإننا يا مولاي نجدد العهد والولاء بأن نكون مواطنين مخلصين لهذا الوطن، خلف قيادتك الحكيمة والتي أصبحت منارة للسلام والأمن العالمي، فبوركت يا وطني، وبورك ذلك القائد الذي حمل لواء النهضة العُمانية، لذا عهداً علينا أن يظل انتماؤنا وإخلاصنا في سبيل الوطن، ونسأل الله عزّ وجل أن يحفظك يا مولاي وأن يؤيدك بالحق والعزة والرفعة والسعادة، وأن يطيل في عمرك أعوامًا مديدة.