سلطان السلام.. لعينيك سلام

 

 

عائشة البلوشيّة

 

بدا صباحا مختلفا توشّح آفاقه درجات متفاوتة من الضباب والرطوبة، فشخصت بناظري إلى صفحة المحيط الممتدة بلا انتهاء أمامي، كانت عبارة عن امتداد أزرق مشوب بخضرة داكنة، ولشوقي العظيم إلى أرض الوطن وبخاصة في هذا الوقت من العام، تقمصت شخصية زرقاء اليمامة، وجعلت أمد بصري إلى أقصى استطاعتي، لعلّي بذلك اخترق الألف كيلومتر ونيف التي تفصلني عن مسقط العامرة، وأنا بين تلك المحاولات الخيالية إذا بحمامة زاجلة تحط على النافذة وتبدأ في الهديل، الذي يبعث في القلب حنينا لشمس عمان ورمالها، وكأني بها تقول لي: ماذا بك أيتها العمانية الأبية؟ هل اقتراب الشهر الحبيب يزيد من وتيرة التحنان ﻷرض عمان؟ وكانت نظرتي المعبرة أبلغ الردود على تساؤلها، فردت بهديل ناعم ينسجم مع ذرات الضباب في الأجواء: صباحكم أيّها العمانيين نوفمبري الملامح، قابوسي القسمات، وطني الإضاءة، عماني النسمات؛ ها هو نوفمبر الحبيب يعود إليكم لينثر بلورات من ضياء أبيض تعشقه نفوسكم، وورود حمراء تنتشر على وجنات قلوبكم، ورياحين خضراء تعطر أجواء الخلجات، لتتناغم هذه السيمفونية السلطانية وتعزف أروع ألحان السلام، نحن الحمائم منذ عهد سيدنا نوح عليه السلام كنا مع غصن الزيتون رمز السلام، ولكننا اليوم نجد في تناغم معزوفاتكم أبلغ معاني السلام والوئام، فطوبي لكفوف سلطان المحبة، وهنيئا لكم به قائدا محنكا وأبا حكيما..

والجو مفعم حولي باحتفالات "الديوالي" في مومباي، والجميع سعيد ومبتهج، عدت بعجلة الزمان أحد عشر عاما وتحديدا في عام 2005 عندما منحت جمهورية الهند جائزة "لال نهرو للتفاهم الدولي" لسلطان السلام سيدي حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد أبقاه الله، وذلك لجهوده في تعزيز أواصر المودة والصداقة بين الشعوب، مذ استلم سدة الحكم في بلادي الحبيبة، ما انفك يبعث برسائل السلام قولا وفعلا حتى يومنا هذا، ورغم صعوبة الظروف حينها وصغر سنه، لكنه وحد الصفوف حوله، فنسج من القلوب غزلا متينا من الألفة والتناغم والاندماج، فسرت هذه السمة لتطوي الأرض طيا، وتصبح رمزا له ولبلاده، وكان عند قوله -حفظه الله- عندما قال في إحدى المقابلات الصحفية إنّه يريد أينما يضع أصبعه على خريطة العالم يجد بلدا شقيقا أو صديقا.

هذه المشاعر والذكريات جعلتني أتعطش لمزيد من الذكريات الجميلة، فأدرت دولاب الزمان إلى الوراء، وتحديدا إلى شهر نوفمبر من عام 1940م، ما كادت تنقضي منه سبعة عشر يوما إلا وسمعت صوت أقدام من خفة ركضتها، يستلهم المنصت لها أنّها تكاد تطير فرحا، فقد انطلق البشير في ظفار الحبيبة راكضًا في اليوم الثامن عشر منه ليزف خبر ولادة سلطان ابن سلطان ابن سلاطين، كان يوما استثنائيا محفوفا بالبشر الناضح على شواطىء "الحافة"، ونسمات تترنم سارحة على جبل "سمحان"، هلل هذا البشير واستبشر ليزف إلى سيده السلطان وهو لا يعي أنه يزف أجمل البشائر ليس لسلطان عمان حينها وحسب، بل للأمة الإسلامية والعالم أجمع، يزف نبأ ولادة سلطان القلوب وحبيب شعبه حكيم العصر قابوس بن سعيد بن تيمور المعظم -حفظه الله وأبقاه- سلطان ينظر إلى الأمور ويزنها ليقدر ردة فعله والتي لا يمكن وصفها إلا بالرائعة، فهي لا تكون إلا بالمزيد من السلام، وها هو اليوم يفك أسر رهينة هناك، ويصالح فرقاء هنا، ويرمم جسور الود بين هؤلاء وأولئك، دون كلل أو ملل، ليجعل من أرض بلاده مهدا مرحبا يستقبل كل من ضاقت به سبل التفاهم، أو تقطعت به حوارات الاتفاق...

سلطاننا الغالي كل عام يأتي وشعبكم مغلف بأبوتكم الحانية، ولعظيم مقامكم في النفوس لا يجد ما يهديكم في يوم مولدكم، فتتحول هذه الحيرة إلى مزيد من الحب لكم، ويكبر الحب ليصبح إخلاصا ووفاء لمقامكم، ويتعاظم الإخلاص والوفاء ليبقى ولاء وعرفانا سرمديا، فسلام يا مولاي لعينين غاليتين سهرتا لنعيش في سلام ورخاء وأمان، ودعاء لله السلام أن يحفظكم ذخرا لشعبكم المحب ولوطنكم عمان، وكل نوفمبر وأنتم يا مولاي الخير له.

توقيع:

"كلِّ ما جيْتِكْ أدوّر عنْ أمان..

ظلّ حضْنك يحْتِويْني فيْ مكاني

 

كلِّ ما ناديْت باسْمك يا عُمان..

أفْتخرْ مولاي فيْ إنّي عُماني

 

كلِّ ما جيْت اكْتبك في هالزّمان..

دمِّيَ الْمكتضِّ فيْ قلبيْ عَصَانِي"

الشاعر عبدالله الحوسني.