كيف ندعم الابتكار؟ (1- 2)

 

 

م. مُحمَّد السالمي *

 

الابتكارُ من المصطلحات التي بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة بشكل متكرِّر، كصورة من صور الصناعة أو التعليم أو البحث أو التطور أو التفكير الإبداعي. ولعلَّ الكثيرَ لا يُفرِّق بين مُصطلحي الابتكار والاختراع، ويعتقدون أنهما بنفس المعنى، ولكنَّ الواقع بخلاف ذلك؛ حيث إنَّ الابتكارَ يعني تطوير أو تعديل شيء ما قائم وموجود؛ وذلك بإضافة طرق أو أفكار أو منتوجات جديدة عليه بخلاف الاختراع، والذي يعني تصميم أو عمل شيء غير موجود مسبقا (قاموس أكسفورد).  لذا فإنَّ تغيير بسيط في أساس فكرة قديمة يمكن أن يعتبر ابتكاراً جديداً، بينما صلب الفكرة لم يتغير.

لذا؛ فالبعض لا ينظر بعَيْن التقدير لبعض الابتكارات، ويرى فيها نسخة مكررة لمشروع سابق وموجود على أرض الواقع، وهذا صحيح علميًّا وقانونيًّا، لكنه قد يكون مُحبِطاً للمبتكرين في حال عدم حصولهم على تقدير لهذا التغيير -وإن كان بسيطاً- ناهيك عن اتهامهم بنسخ أفكار الغير دون فهم لمعني الابتكار أصلاً. إنَّ الابتكار يُمثل ما يقارب الـ90% من مُجمل براءات الاختراع المسجلة؛ وذلك ببناء فكرة على فكرة قائمة أو تطوير فكرة مُصنَّعة. فمثلاً كثير من اختراعات أو ابتكارات وكالة ناسا الفضائية تمَّ عمل ابتكارات أخرى عليها لتتوافق مع حاجة قطاعات أخرى مثل قطاع السيارات والصحة والسلامة...وغيرها.

بعدما وضَّحنا مفهوم الابتكار، كيف يُمكننا أن ندعمه؟ إنَّ الدعم الحكومي للابتكار على الرغم من الجهود المبذولة ليس بالحل الجذري. الداعم الأكبر للابتكار والأبحاث هو القطاع الصناعي، خاصة الصناعات التحويلية؛ لأنها المستفيد الأول والأخير من الابتكار، وهي من سيسعى لتسجيل الفكرة وحماياتها بالكامل، وهذا القطاع من الصناعة شبه مفقود كليًّا في المنطقة والسلطنة. حيث عادة ما يُشكِّل هذا القطاع أكثر من ثُلثي تسجيلات الابتكار الصناعي. وهذا القطاع أيضا هو أكبر مُموِّل لقطاع الأبحاث والابتكارات في المعاهد والجامعات الأجنبية. وللتوضيح أكثر، فإنَّ القطاع الصناعي التحويلي هو الحلقة المفقودة لنقل دول العالم الثالث إلى درجة الدول الصناعية. كأبسط مثال للصناعات التحويلية: صناعة الألمنيوم في عُمان. فلدينا مصنع ألمنيوم صحار، والذي يصنع سبائك ألمنيوم مُعدَّة للتصدير خارج عُمان. ثم يستورد الألمنيوم كألواح وما يعرف بمسحوبات الألمنيوم لتصنيع أبواب ونوافذ الألمنيوم محليًّا. القطاع المفقود هو القطاع الذي قام بتصنيع المسحوبات؛ فهنا تكمُن التحديات، وما ينتج عنها من ابتكار يُحرِّك عجلة التنمية والفكر الإبداعي. وهنا أيضا تكمُن البحوث؛ فعلى نفس المثال المشار إليه حول تصنيع الألمنيوم، ستنشأ بحوث مُتعدِّدة لمعرفة أفضل أنواع خليط الألمنيوم، والذي يتناسب مع الأجواء في المنطقة. وهذا بشكل عام، سينمِّي حركة البحث العلمي في هذا مجال المعادن بالمؤسسات البحثية بالسلطنة. وبالمعنى الاقتصادي، تبقى عُمان ودول المنطقة تستورد أكثر مما تصدِّر ماليًّا. وهذا ينطبق على قطاع النفط -الذي يعتبر أكبر وأهم القطاعات الصناعية في عُمان- فنحن نصدِّر النفط الخام للعالم، في حين نستورد مشتقاته بأضعاف مضاعفة. ومن يتابع الأسواق المحلية، سيلاحظ أن ما يُستورد من مُشتقات النفط لم تتغيَّر أسعاره رغم انخفاض النفط الخام خلال الفترة الأخيرة. وأبسط مثال على ذلك: شرائح الإكرليك لم يتغيَّر سعرها على الرغم من هبوط النفط لأقل من الثلثين. وهذه إحدى النقاط اقتصاديًّا نتمنى من المختصين التمعُّن فيها. وذلك لأنَّ عملية الصناعات التحويلية بشكل عام تُعتبر من أكبر مصادر الدخل في كثير من الدول؛ كونه يُشكِّل مصدرًا كبيرًا للحركة الاقتصادية في البلد باستغلال الموارد الطبيعية والبشرية الموجودة مع تنمية الابتكار والصناعة فيها.

 

* رئيس المنشآت والمختبرات بالجامعة الألمانية للتكنولوجيا في عُمان

mohamed_uk@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك