جنَّة في قلب الخليج (2)

 

 

عمَّار الغزالي

استكمالاً للطرح الماضي، حول ضرورة أن تحتل محافظة ظفار مكانتها كإحدى أهم مفاصل "العمود الفقري" للطفرة الاقتصادية والسياحية في السلطنة، نواصِلُ خلال هذه السطور استعراض الآمال المعقودة على تلك المدينة الساحرة؛ بما تحتكمُ عليه من مُقوِّمات كفيلة بأن تضعها في مُقدِّمة قاطرة التنمية والرفاه التي نجني ثمارها هذه الأيام، بعد ما يقارب نصف قرن من النهضة المباركة، والتي كانت ظفار شاهد عِيَان على تجليات انطلاقتها الأولى؛ كما أخبر بذلك حضرة صاحب الجلالة حفظه الله تعالى بقوله -خلال افتتاح مجلس عمان في العام 2010- حينما قال: "لقاؤنا اليوم في مدينة صلالة ونحن على مشارف الاحتفال بعيد النهضة الأربعين دلالة رمزية لا تنكَر؛ فمن هنا انطلقتْ النهضة العمانية الحديثة، وفيها بدأت خطواتها الأولى لتحقيق الأمل".

وفي الوقت الذي يتنامى فيه الحديث عن طفرة تنموية تشهدها ظفار في مختلف المجالات الاقتصادية؛ وأنها هدف إستراتيجي لعدد من المستثمرين وشركات القطاع الخاص، نجد الأداء في استغلال هذا التقدُّم الملحوظ لرفد مداخيل اقتصادنا الوطني بعيدا عن مستوى الطموح، صحيح أننا لا يُمكن ألبتة التقليل من حجم المنجز التنموي في تلك المحافظة الواعدة، إلا أنَّ استثماراً مُستداماً تُعقد عليه الآمال لا يزال ينتظر الكثير والكثير خلال الفترة المقبلة، بما يضمن جذب رؤوس أموال جديدة تحفز مسيرتنا التنموية.

وعلى رأس قائمة التطلعات تأتي أهمية تحويل مطار صلالة إلى مطار دولي، بمعنى "تدويله"؛ إذ يمثل النقل -وخاصة النقل الجوي- واحدًا من الوسائل المهمة جدًّا لتنمية السياحة والتجارة والصناعة؛ فحسب دراسة أُجريت مؤخرًا لقياس ثقة رجال الأعمال وصناديق الاستثمار باقتصاديات المدن، وُجِد أن من ضمن أهم 3 معلومات يسأل عنها أي مستثمر: هل يوجد مطار دولي بالمدينة أم لا؟ وهي في رأي خطوة أولى إذا ما كنا جادين في أن يكون لصلالة موقع على خارطة العالم السياحية والاستثمارية؛ إذ كيف يُمكن لنا أن نستقطب استثمارات خارجية وتطوير منطقة صلالة الحرة دون مطار دولي؟! وكيف يمكن أن تنفتح محافظة ظفار على خارطة السياحة العالمية بدون مطار دولي؟!

فمطار صلالة بما هو عليه اليوم، رائع بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ من حيث المباني والتجهيزات والخدمات، وموقعه زاد من روعته؛ حيث تستقبل الزائر السهول الممتدة والجبال الشاهقة وأشجار النارجيل المتراصة على جنبات الطريق، كما أنَّ مستخدمي المطار لا يحتاجون إلى أكثر من ربع الساعة حتى يصلوا إلى كل مفاصل المدينة الرئيسية: مركز المدينة، أو المنطقة الحرة، أو الميناء، أو الشواطئ البيضاء وقمة الجبل، أو سوق الحافة، أو متحف أرض اللبان، أو دار الكتاب، أو أكشاك المشلي (النارجيل)، أو ضريح النبي أيوب وضريح النبي عمران...وغيرها.

كما أنَّه ومن حيث المستوى والحجم والإمكانيات؛ فهو يشمل العديدَ من الأنظمة والتقنيات الحديثة المعروفة على مستوى العالم في مجال الملاحة الجوية وإدارة وتشغيل المطارات من حيث التقنية والأمن والسلامة والأمتعة وتخليص إجراءات المسافرين، كما يَسْتَخدم -ولأول مرَّة بالسلطنة- خراطيم لعبور المسافرين للصالات، إضافة إلى 30 منضدة لتخليص إجراءات المسافرين لتواكب الأعداد المتزايدة والمتوقع أن يستقبلها خلال المرحلة المقبلة، وهو ما وضعته وزارة النقل والاتصالات في الاعتبار وهي تخطط للتوسعات القادمة لحركة المسافرين، والمقررة أن تستوعب 6 ملايين مسافر.

فبهذا المطار -وإلى جانب ما أعلنته وزارة النقل والاتصالات، مؤخرا، من إتمام رصف وتأهيل 200 كم من شبكة طرق المحافظة على مدى العامين الماضيين- يكون قد تم إنجاز لبنة أساسية للسياحة في محافظة ظفار، وبالمطار الحالي قد تمَّ إنجاز المرحلة الأصعب وبقي الآن تحويله إلى مطار دولي، خصوصا وأن أقرب مطار دولي مُعتبر هو مطار مسقط الدولي، والذي يبعد عن محافظة ظفار أكثر من 1000 كيلومتر، وهي مسافة بالطبع كبيرة جدًّا، ثم إنَّ معظم المدن التي وضعت نفسها ضمن الخارطة العالمية كمدن ذات جذب سياحي أو اقتصادي بها مطار دولي. وبحسب معلوماتي، أكاد لا أذكر أيَّ مدينة مشهورة عالميًّا لا تتوافر على مطار دولي.. مما يطرح السؤال التقليدي: لماذا هذا التأخير في تحويل مطار صلالة من مطار محلي إلى مطار دولي؟

هل هو العذر الكلاسيكي بعدم توافر ميزانية للتسويق؟! أو عدم تواجد كيانات وطنية مُتخصِّصة ذات كفاءه عالية في مُتابعة تطوُّرات إجراء كهذا؟! وأقول: إذا كان الأمر كذلك؛ فما الضير في الاستعانة بشركات مُتخصصة خارجية أو بشركات طيران قوية ذات تأثير عالمي نتحالف معها لتحفيز الملف التسويقي للمطار، أو حتى قد نحتاج استجلاب كفاءات خارجية مُتخصِّصة في إدارة المطارات بمستوى عالمي!

فأقوى دول العالم تستعين بكفاءات خارجية كلما دعتْ الحاجة بلا حرجٍ أو استحياء، هل تعلم عزيزي القارئ أن دولة مثل المملكة المتحدة بما تملكه من موارد بشرية هائلة محافظ بنكها المركزي الحالي مارك كارني كندي الجنسية، ونائبته نعمت شفيق مصرية الأصل والمنشأ؟!

ففي بعض الشواغر المهمة إذا وجدت الكفاءة الوطنية أنعِم وأكرِم، وإذا لم توجد وجَبَ استقدام كفاءات خارجية لأداء العمل كما ينبغي.

... إنَّ التخطيط لتدويل مطار صلالة السياحي وأخذ الخطوات الجادة في سبيل تحقيق ذلك، لابد أن يبدأ من اليوم وليس غداً؛ لمواكبة التطوُّر الذي تشهده محافظة ظفار، والتطور السريع الذي يحدث في العالم أجمع، حيث أصبح وجود مطار دولي ورحلات مباشرة عامل رئيسي لاستقطاب السياح الاجانب؛ وتشير بعض الدراسات في المجال السياحي إلى تغيُّر سلوك السائح كثيراً؛ فمن رحلة سنوية واحدة طويلة يقوم بها السائح في الماضي، إلى عدة رحلات سنوية قصيرة يقوم بها السائح، يتطلَّب الأمر تقليل وقت الانتظار والترانزيت، فما يُرتجى من تدويل المطار مردود اقتصادي مباشر وغير مباشر؛ حيث ستسهم تلك الخطوة في زيادة نسب إشغال الشقق والغرف الفندقية بشكل كبير، ودعم الحركة السياحية والاقتصادية، ناهيك عمَّا سيوفره لأهالي ومقيمي محافظة ظفار والوسطى من خدمات متكاملة؛ خصوصا للمرضى والمبتعثين ورجال الأعمال، والذين يحتاجون التنقل جوًّا بصورة مستمرة، إضافة إلى تحسين صورة الاستثمار في المحافظة وهذا -بكل صراحة- سيحدِّد مدى جديتنا في تحويل صلالة إلى مدينة سياحية إقليمية وعالمية.

كما أن تدويل مطار صلالة سيعزز ثقة المستثمر المحلي والاجنبي بأن صلالة تعني الكثير كمحطة ذات جذب سياحي إقليمي وعالمي، وستنقلنا من دور المتفرج إلى دور المبادر في صناعة السياحة وفي تحديد موقع صلاله المستقبلي على خارطة السياحة العالمية.

ولمن يرون أن تدويل المطار مغامرة، أتفق معهم في ذلك، لكنها مغامرة حتمية تتناسب مع متغيرات العصر؛ فالمستقبل من نصيب من يملك روح المبادرة لاستكشافه وصناعته، وكما يقول إبراهام لينكولن فإن أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل هي صناعته.

إنني أتحدث عن روح المبادرة التي حدثت في تسعينيات القرن الماضي عندما أصدر حضرة صاحب الجلاله -حفظه الله تعالى- بنظرته الثاقبة، أوامره السامية بإنشاء ميناء صلالة وفق المعايير الدولية، كان بعض الاقتصاديين المحليين والدوليين ينظرون إلى أن الموانئ الحالية كافية، لكن -وفي سنوات قليلة- سرعان ما فرض الميناء نفسه على الساحة العالمية نظراً لموقع صلالة الإستراتيجي وأصبح من أكبر الموانئ في المنطقة، وغدا في سنوات قليلة أكبر مشغل للعمانيين في القطاع الخاص على مستوى محافظة ظفار.

ومن نافلة القول.. لن أقول كما قالت هيلين كيلر "الحياة إما أن تكون مغامرة أو لا شيء آخر"، لكن أقول لابد -على الأقل- من القليل منها لصناعة المستقبل؛ فهذه سُنة كونية لا مناص منها.

ومن يتهّيب صعودَ الجبال.. يعش أبدَ الدهرِ بين الحُفَر

كذلك قالت ليَ الكائنات.. وحدثني روحها المستتر

ويتجدَّد اللقاء..!