مجلس الشورى الذي نريد..!

عمَّار الغزالي

75 يومًا الآن مُنذ أعلنت اللجنة العُليا للانتخابات بدء استقبال طلبات الترشح لانتخابات أعضاء مجلس الشورى للدورة التاسعة (2019-2022)، في مُقابل 166 يومًا تفصلنا عن انطلاق الاستحقاق الانتخابي المقرَّر له أكتوبر المقبل.. وإذا ما مَنحنا الحدث زخمه -ولنقُل شهراً- فإننا نتحدَّث بعدها تقريباً عن 60 يومًا فقط تفصل عُمان عن رؤيتيْ 2020 و2040.. فاصلٌ زمنيٌّ يسترعي من الجميع -ناخبين ومرشحين- الانتباه ووقفات تفكُّر وتأنٍ، قبل التفكير في تقديم أوراق الترشح (بالنسبة للمترشحين)، أو الإدلاء بالصَّوت الانتخابي (بالنسبة للناخبين)، واستحضار رُوح المسؤولية الوطنية بكل تجلياتها، ليس فقط كشعار فضفاض يطوِّعه البعض حسب أهوائه، وإنما كمِنهاج عمل وترمومتر شديد الحساسية لقياس درجة الكفاءة والكفاية والفاعلية في صناعة التأثير في الواقع المحلي المعاش، ولسان حالٍ كَلُوم ينقلُ الهموم ويُجسِّر المسافات الزمنية والمكانية، ليس فقط بين آمال وتحديات المواطن وأبواب غُرف المسؤولين في الداخل، وإنما بين تطلعات عُمان -وطنا ومواطنين- وحواجز الصفوف الأمامية في العالم الأول.

فالإلحاحات التنموية اليوم كثيرة وكبيرة، والمرحلة حُبلى بالكثير من التحديات، وما لم تؤدَّ أمانة الاختيار والتمثيل بحقٍّ في هذه الغُرفة البرلمانية، ستَضِيع علينا الكثير من الفرص.. فنحن لا نريد مجلسًا صوريًّا كمجرد تجربة أو جزء من بروتوكول سياسي في نظام الدولة، وإنما نريد مُمارسة مُستحقة تواكب الحراك الوطني الساعي لارتقاء تنمويٍّ -بكل ما تعنيه الكلمة- مجلس قادر بأعضائه ولجانه -المُمثِّلين لمختلف فئات المجتمع- أن يصدح بحَنجرةٍ تُدرك مُتطلبات المرحلة، بنقاشات شفافة متزنة حكيمة، تكفل مواصلة مسيرة الإصلاح والصلاح.. نُريد كيانًا نيابيًّا يُؤدِّي باقتدار أدوارَه التشريعية والرقابية، بصَلَاحِيات أوسع تُزيد نفاذ قُدرته، وفي نفس الوقت يؤمن أعضاؤه بأمانتهم ليسوا فقط كظهير مجتمعي وصوت المواطن الذي وضع ثقته فيهم، وإنما صوت عُمان قاطبة، المُدرك لديمومة العمل لإتمام كافة الإصلاحات على أتمِّ وجه وفي أسرع وقت.. والإصلاحات الاقتصادية منها على وجه الدقة والتحديد؛ فنحن نريد مجلسا قادرا على تعجيل الإصلاحات المعزِّزة للنمو، إصلاحات هيكلية تجنِّبنا الصدمات التي يتلقاها اقتصادنا الوطني مع كلِّ أزمة -عابرة كانت أو عنيفة- إصلاحات تُسرع خُطى التنويع، وتمكِّن القطاع الخاص، وتخلق فرصًا للباحثين الذين تتكاثر أعدادهم وتتنامى سنويًّا في ظل غياب منهجية جادة وصادقة لحلحة الأزمة، إصلاحات تضبط الميزان المالي، وتبني رأس مال بشري قادرًا على تحقيق الإحلال الحقيقي، إصلاحات تعزِّز بيئة الأعمال وتزيد مستويات الإنتاجية والتنافسية، وترفع معدلات النمو، وتعالج تجاوزات الإنفاق وقصور أداء الإيرادات، إصلاحات تزيل العقبات أمام المستثمر المحلي والأجنبي واقعيًّا وليس صوريًّا، تشجِّع على التنافس، وتزيل الحواجز التجارية، وتزيد مناعة القدرة التنافسية الخارجية.

إننا نريد مجلس شورى "اجتماعي اقتصادي سياسي" يخدم مسيرة التنمية الشاملة، يلبي المتطلبات التي تستلزمها عمليات تدعيم أركان الدولة القادرة على المنافسة في مختلف المجالات.

بيد أنَّ آية آمال تُعقد على مجلس الشورى الجديد، ستظل مُحتَكمة لتجديد الدعوة -ككل 4 سنوات- إلى أداء أمانات ثلاث: أمانة التصويت، وأمانة التمثيل، وأمانة التمكين.. أمانة التصويت بعيدا عن التحزُّب والتحيز للقبلية أو المحسوبيات والقرابة؛ أصواتنا هي الأساس الذي لا تدور حوله ومن أجله فقط العملية الانتخابية وإنما ترتسم بها ملامح المستقبل، وفي رأيي أنها لم تصبح عملية طوعية، وإنما رُكن أصيل تتحقق بموجبه الإرادة الوطنية في مستقبل يليق بعُمان، ركنٌ يفرض مسؤولية اختيار الكوادر القادرة على حمل الأمانة في هذه المرحلة تحديدًا؛ كوادر تملك من العلم والمعرفة والثقافة القدر الكافي والدراية الكاملة بأحوال أبناء الوطن.. وأمانة تمثيل من أصحاب السعادة الجُدد -ومن سيمنحهم المواطن تجديد الثقة- في أداء الواجب الوطني بأمانة واقتدار؛ فأمانة العضوية ليست للوجاهة، بل هي إرثٌ ثقيلٌ ستُسألون عن أمانة أدائه على أكمل وجه، من خلال مشاركتكم في تحقيق الصالح العام، مُحلِّفًا إياكم، وبأمانة ما قيَّضكُم الله له، أن تغضُّوا طَرف أعينكم عن كل مصلحة أو شُبهة مصلحة شخصية، تحت أي ظرف، ومهما كانت الدواعي والأسباب.. ثم أمانة التمكين؛ وهي مسؤولية رئيسية بيد قيادات الجهاز التنفيذي؛ من حيث المساهمة -وبشكل جاد- في إدخال "الشورى" كفاعل رئيسيٍّ في المنظومة التنموية.

لقد تهيَّات لمجلس الشورى اليوم كلَّ مقوِّمات إتمام عملية انتخاب أعضائه بكل نزاهة وشفافية وسهولة ويسر، بما يعكس الصورة الحضارية التي يرفل فيها أبناء هذا الوطن، وسيظل الرهان الحقيقي دائمًا وأبدًا على وعي المواطن للمشاركة والاختيار.. وكلنا أمل في أن يُواصل العُمانيون تقديم صورة مشرفة للعالم بقدراتهم الواضحة على المشاركة في صنع القرار.. فانتخابات الشورى مُحاكاة لخارطة طريق استجلاء الإرادة الوطنية، وترسيخ قيم المواطنة وتكريس الوحدة الوطنية، وتوسيع دوائر المشاركة بالحوار، والعمل من أجل الصالح العام.

ويبقى أن أقول في الأخير.. لقد أنشئ مجلس الشورى على أرض هذا الوطن لكي يتطوَّر؛ وتطوُّره بكل تأكيد سيظل موقوفًا على أعضائه المتمكِّنين وليس المُتسلقين، وهي مسؤولية تشاركية على أكتاف الجميع، تظلُّ عُمان في إطارها فوق كل الاعتبارات.