وصية الرسول للشيخ أحمد

 

 

زاهر المحروقي

في طفولتي، طَلَب منِّي أحد كبار السن، وسط مجموعة من الناس، أن أقرأ لهم ورقة كانت في يده؛ فقرأتها وسط اهتمام كثير أبدوه، وكانت عبارة عن وصية الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- لشخص اسمه الشيخ أحمد، وُصف بأنه حامل مفاتيح حَرَم الرسول الكريم. وخلاصةُ الموضوع أنَّ الشيخ أحمد رأى الرسول في المنام، وطلب منه أن يُبلِغ الناس أن يوم القيامة قريب جدًّا، ومن دلائل ذلك ظهور نجمة في السماء واقتراب الشمس من رؤوس الناس قرابة قوسين أو أدنى، وأنَّ الله لن يقبل التوبة بعد هذه العلامات، وأنَّه قد مات في هذا الأسبوع -من الجمعة إلى الجمعة- 40 ألف شخص على غير الإسلام، وأنهم ماتوا ميتة الجاهلية. وفي الوصية كثيرٌ من الأوصاف عن أحوال المسلمين السيئة؛ مثل: عدم إطاعة الزوجات لأزواجهن مع ظهورهن سافرات أمام الأجانب، وكذلك انتشار التعامل بالربا وترك الزكاة...وغير ذلك من الأمور.

كانتْ الرسالة مُؤثِّرة جدًّا لفِتى في مثل عمري آنذاك، ويبدو أنِّي أعطيتها كل الانفعالات أثناء القراءة، لدرجة أن جدي لأمي سعيد بن حارب المحروقي يقول رحمه الله: "إنَّ هذا الولد سيكون عالما"، إلا أنَّني خذلته، وتلك قصة أخرى؛ لكنِّي أحسستُ حينها بأني قمت بعمل عظيم هو قراءة تلك الوصية لأولئك الناس، وقد طرحت الوصية العديد من الأسئلة لعقلي الصغير، إلا أني أمام ذلك الموقف تركتُ تلك الأسئلة جانباً حتى لا أقع في المحذور؛ لأنَّ في الوصية تهديداً ووعيداً لكل من يقرأها ولا يصدقها ولا يقوم بنشرها. وقد ظللتُ كل ليلة أرقب السماء لأرى ذلك النجم واقتراب الشمس من رؤوس الناس قرابة قوسين أو أدنى، فلم أر ذلك، ولم تقم القيامة بعد حتى هذه اللحظة.

بعد ذلك بسنوات، سُئل سماحة الشيخ أحمد الخليلي عن هذه الوصية، فقال إنه قرأها في طفولته، وأنها غير صحيحة، وقد وصل الحال ببعض الناس أن يعتقدوا أن الشيخ أحمد صاحب الوصية هو سماحته؛ مما يعني أن الأمر قديمٌ جدًّا، وهذا يجعلنا نتساءل: من يقف وراء وصية كهذه؟ وما الهدف منها؟ ولكن السؤال الأهم هو: لماذا لم ترتق عقول المسلمين حتى الآن إلى العمل والإنتاج والابتكار والعطاء، وظلت تؤمن بأن طباعة ورقة وتوزيعها كفيل بأن يعطي الخير للإنسان، وأن يُنجح أي صفقة تجارية، ويدخل الإنسان الجنة وينال فيها من القصور ما ينال؟

مؤخرا، تلقيتُ هذه الوصية من أكثر من شخص عبر "الواتساب"، وأعدت قراءتها لأقارن بين تقبلي لها وأنا طفل وتقبلي لها الآن، ولاحظت أن ما شجع الناس على توزيعها ليس الدعوة في سبيل الله وتشجيع الناس على العمل والإنتاج وتحذير الناس من سوء الأخلاق؛ وإنما هو بسبب عبارات وردت في الوصية، إذ يقول الشيخ أحمد المزعوم إنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال له في "رؤياه" تلك: "إذا قام أحد الناس بنشر هذه الوصية بين المسلمين، فإنه سوف يحظى بشفاعتي يوم القيامة، ويحصل على الخير الكثير والرزق الوفير، ومن اطَّلع عليها ولم يُعطِها اهتماماً فقد أثم إثماً كبيراً، ومن اطلع عليها ولم ينشرها فإنه يحرم من رحمة الله يوم القيامة. وحلمت أنه من قام بنشر 30 ورقة من هذه الوصية فإنَّ الله يزيل عنه الهم والغم، ويوسع عليه رزقه، ويحل له مشاكله، ويرزقه خلال 40 يوماً تقريباً، وقد علمت أن أحدهم قام بتوزيع 30 ورقة، فرزقه الله 25 ألفاً من المال، كما قام أحد بنشرها فرزقه الله 96 ألفاً من المال، وأُخبرت أنَّ شخصاً كذب بالوصية ففقد ولده بنفس اليوم، وسبق أن وصلت هذه الوصية إلى أحد رجال الأعمال فوزعها فوراً، ومن ثم جاء له خبر نجاح صفقته التجارية بـ90 ألفا زيادة عمَّا كان يتوقعه، كما أنها وصلت إلى أحد الأطباء فأهملها فلقِي مصرعه في حادث سيارة، وغفلها أحد المقاولين فتوفي ابنه الكبير في بلد عربي شقيق".

ما بين الترغيب والترهيب المبالَغ فيهما فيما يخص تلك الوصية، سارع الكثيرون لتوزيعها ونشرها، وعلينا نحن المتلقين خاصة عبر "الواتساب" أن ندفع ثمن تلك الرغبة والرهبة؛ إذ يكتب لك بعضهم عبارات مثل: "إن هذه الرسالة أمانة في عنقك إلى يوم القيامة، وإذا لم ترسلها فاعلم أن ذنوبك منعتك من ذلك"، ووصل الأمر بالبعض أن يبخل عن إخراج الزكاة أو دفع الصدقة ويرسل لك رسالة عبر الهاتف ويقول: "انشر هذا المصحف واجعله صدقة جارية لوالديك ولكل من تحب"، وقد سألتُ أحدهم: "هل قرأت أنت شيئاً من هذا المصحف؟". قال: "لا".

وصيةٌ مكذوبةٌ على الرسول -صلى الله عليه وسلم- تُنشر ربما أكثر قرن كامل، ويتم تداولها بين فترة وأخرى، والناسُ تصدق ذلك وتستسهل أن تأخذ الأجر دون أي جهد، وتريد أن تحقق الربح في التجارة وفي الصفقات دون عمل؛ ألا يدل ذلك على خلل في تركيبة عقليات بعض المسلمين؟ وماذا لو أن حال الأمة الإسلامية غير حالها الآن؟ حيث كانت هي التي تقود العالم في العلم والثقافة والإنتاج والصناعة والأمانة والأخلاق؛ هل كان يمكن لوصية كهذه أن تنتشر بين الناس عبر أكثر من قرن؟ وهل كان الخطاب الديني هو نفس الخطاب الذي يُوجه للناس عبر المنابر أكثر من 1400 عام؟! هذه التساؤلات دارت في نفسي وأنا أستمع إلى خطبة الجمعة الأخيرة من رمضان، عندما تحدثَتْ عن ضرورة التقيد بالإجراءات الوقائية أثناء الذبح أيام العيد، حفاظاً على النفس البشرية من الأمراض التي تنتقل من الحيوان إلى الإنسان، وحثت الناس على عدم التساهل في التخلص من مخلفات الذبائح، بعدم رميها في غير الأماكن المخصصة لها كي لا ينجم عنها أضرار؛ وقلت في نفسي كم سنة ضوئية يحتاجها المسلمون حتى يتغير الخطاب الديني عندهم، إذا كانوا حتى الآن يحتاجون إلى دروس في كيفية تصرفهم في الأمور الحياتية التي تتكرَّر سنويًّا أو شهريًّا أو حتى يوميًّا؟ وإذا كانوا حتى الآن يتبادلون فيما بينهم وصية مزعومة للرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- عن الربح الذي يحصل عليه الإنسان عندما يوزع تلك الوصية وما يصيب الإنسان من مصائب وكوارث إذا أهملها؟!

للراحل د. حسن الترابي كلام جميل عن حال المسلمين، عندما قال إنهم يعيشون في الأوهام وينتظرون ليلة القدر لتحقيق أمانيهم وأحلامهم، وهم في سُبات عميق؛ إذ إنهم يجهزون قوائم الدعاء والطلبات، ظانين أنها ليلة تحقيق الأمنيات بلا عمل ولا جهد، وتنهال الدعوات على الأعداء والفجار والكفار، فيزدادون في دولهم استقراراً وقوةً في مختلف المجالات؛ لأن مراكز الأبحاث عندهم لا تتوقف، وينفقون عليها ميزانيات مهولة ليحققوا المزيد من الرفاهية لشعوبهم؛ بينما شعوبنا تخرج من ورطة لتقع في أخرى. وفي الواقع هذا توصيف دقيق لحال المسلمين. فهل يعقل أن نوزع ورقة تقول إن 40 ألفاً من البشر ماتوا في أسبوع واحد على جهالة، ونتجاهل الانفجارات التي أصبحتْ تؤرِّق الكل، في بغداد والقطيف ودكا وأنقرة وسوريا واليمن، والتي وصلت الآن إلى قرب قبر الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وهل من المعقول أن يتقاتل المسلمون الآن فيما بينهم باسم المذاهب، وهناك من يرجو الأجر الوفير من توزيع رسالة واتسابية على عدد من الناس، أو يجعل رسالة عبر الهاتف صدقة جارية إلى يوم القيامة؟!

المسألة هي أنَّ عقولنا تحتاج إلى إعادة صياغة، والمسألة ربما متشابهة في معظم الأوطان الإسلامية، خاصة العربية منها؛ ومن ذلك مثلاً ما تم نشره عبر الصحف أن المؤسسات الحكومية في إحدى دول الخليج، صرفت خلال الأسبوع الأخير من رمضان نحو 20 ألف إجازة مرضية لموظفي الدولة، وهذا يعني أن الشعوب الخليجية تعودت فقط على الأخذ دون العطاء، وأن معظم موظفي الدولة إنما هم أعضاء في جمعية خيرية ليأخذوا راتباً نهاية الشهر، أما عن الإنتاج والعطاء والإخلاص فليس لهم وجود في قواميسنا، ولا نعمم طبعاً، ولكن من راجع الوزارات في شهر رمضان يعرف تلك الحقيقة جيداً.

وأرجو ممن يقرأ مقالي هذا أن يوزعه فوراً لينال الأجر العظيم وإلا...!