تحديد النسل .. مكابح أسرية لضبط التكاثر تصطدم بمشكلات اجتماعية ونفسية

"و.ر" تقضي طفولتها وحيدة.. وتنفصل عن زوجها لرفضه إنجاب أكثر من طفل

رصدت التجربة- مدرين المكتومية

ترفض "و.ر" مصطلح تحديد النَّسل، إذ ترى أنّه كان سبباً في تعاستها حتى مرحلة الشباب عندما كانت في بيت أبويها، كما أنّه كان دافعًا لها للانفصال عن زوجها الذي ارتبطت به، نتيجة إصراره على عدم إنجاب طفلٍ ثانٍ، الأمر الذي دفعها إلى الزواج من آخر لتنجب منه الأبناء وتشعر بتحقيق بما تسعى إليه من مشاعر الأمومة وتمارس دورها كمربية لأجيال مستقبلية.

وعاشت "و.ر"، البالغة حالياً من العمر 36 عامًا، طفولة ملؤها اليأس والإحباط، فوالدتها لم تنجب سواها حتى سن متأخرة، نظرًا لارتباط أمها بالعمل؛ حيث كانت تمتلك صالوناً للتجميل، فيما كان يعمل والدها في التجارة، ولم يكونا متفرغين لها كأي أب أو أم يمارسان دروهما تجاه ابنتهما الوحيدة. ورغم العيش الرغد التي تنعمت فيه الفتاة، إلا أنّها كانت دائمًا تفتقد إلى حنان الأخ أو مشاركة الأخت لها في تفاصيل حياتها، بينما الأب والأم كانا منشغلين بأعمالهما، فقد قررا عدم الإنجاب.

ورفضت الأم والأب دعوات ابنتهما الصغيرة المتكررة بأن يكون لها أخ وأخت، يشاركانها حياتها، ويؤنسان وحدتها، لاسيما وأنها كانت شبه ممنوعة من زيارة الجيران أو اللعب مع الأطفال في الحارة التي ترعرت فيها.

غير أنّه بعد سنوات عدة وعندما كانت الفتاة في المرحلة الثانوية، رزقت أمها بطفل، لكنها لم تكن تشعر به وبأهميته في حياتها، بل تحول الأمر إلى ممارسة للأمومة بدلاً عن والدتها التي لا تزال منشغلة بعملها، حتى إن أخوها كان يناديها في كثير من الأحيان بـ"ماما"!

ومرت السنون.. وصارت "و.ر" في سن الزواج، لكنها كانت تخشى من تكرار الماضي الأليم، فلم تكن لتوافق مطلقًا على الارتباط بزوج يرفض الإنجاب، وكانت العائلة الكبيرة والتكاثر في النسل حلماً يراودها، غير أنّ المخاوف تحولت إلى واقع.. فقد تزوجت من طبيب قرر ألا ينجب إلا طفلين فقط، وهنا تجلت مزيدًا من المخاوف لدى "و.ر"، وأخذت تفكر مرارا وتكرارًا فيما سيؤول إليه حال طفليها بعدما يكبران ولا يجدان إخوة لهما، وتتكرر مأساتها مجددًا. رفضت الزوجة هذا القرار، انطلاقًا من إيمانها بضرورة ألا يمر طفلاها بهذه التجربة المؤلمة، وألا تتحول حياتهما إلى جحيم من الوحدة واليأس وغياب الأخوة.

وبعدما أنجبت الزوجة الطفل الأول، لم تجد في نفسها مشاعر الأم والحنان لتمنحها له، بل إنّها كانت تضبط نفسها قاسية معه، إلى أن أنجبت طفلاً آخر، وبعدها طلب منها الزوج عدم الإنجاب مرة أخرى، وأن يكتفيا بهذين الطفلين.

لكن الأم الراغبة في إنجاب المزيد من الأطفال، أبت إلا أن تواصل حلمها، بتكوين عائلة كبيرة، الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقات مع زوجها، الذي تيقن من رفض الزوجة للقيام بأي خطوة لمنع الإنجاب مجدداً، فامتلأت حياتها بالمشكلات والخلافات المتكررة، ما أدى لاحقًا إلى مزيد من الفتور في علاقتها بزوجها، كما رفضت دعوته لها للعودة إلى العمل حتى تنشغل به ولا تفكر في الإنجاب، إلا أنّها رفضت مؤكدة أنها ليست في حاجة إلى المال أو العمل، كل ما تحتاجه فقط أن تعيش مع ذرية كبيرة تفرح بهم ويفرحون بها.

الزوج من جانبه لم ييأس، بل واصل مطالبه وإلحاحه عليها بأن تكتفي بالطفلين، إلا أنها كانت تحلم بإنجاب فتاة، لكنه أصر على قراره، ما أجبر الزوجة على ترك المنزل، وهو القرار الذي لم يعارضه الزوج، حيث اكتشفت الزوجة أن زوجها على علاقة بامرأة أخرى وأنه يريد أن ينجب منها، ولذلك كان إصراره على عدم الإنجاب منها. وبعد فترة لم تدم طويلاً، وقع الطلاق بينهما، فيما ظل ابناها معها، وتزوج الزوج بأخرى، إلا أن الأم مارست حياتها بشكل طبيعي وأخذت تعتني بطفليها لتربيتهما التربية الصحيحة.

وبعد سنوات، تقدم إليها أحد الأشخاص وطلب منها الزواج، وكان الرجل متزوجًا ولديه أطفال، ووافقت "و.ر" على الزواج منه ومشاركته في تربية أبنائه، على أن يشاركها هو في تربية أبناءها. وبمرور السنوات، أنجبت "و.ر" 3 أطفال، فتاتان وصبي، واستمرت علاقتها معه ممتازة- كما تؤكد- وأبدى كل منهما اهتماماً كبيرًا بأبناء الآخر، ونشأ الأطفال جميعهم في منزل واحد تحيط به الألفة والحب ومشاعر الأبوة والأمومة الحانية، وهي المشاعر التي ردها لها الأبناء جميعاً بالاحترام والحب كذلك والرضا عنها.

وتقول "و.ر" إنّ زوجها الثاني قام باستثمار مبلغ مملوكا لها، يدر عليها عائداً، ما أتاح لها فرصة السفر مع أبنائها والعيش في مستوى اجتماعي مريح. لكنها تشكو بين الفينة والأخرى من الغيرة بين الأبناء، لاسيما وأنهم ليسوا إخوة أشقاء، إلا أنّها ترى أن ذلك الأمر طبيعياً، وربما يحدث بصورة أقوى بين الأشقاء. وتوضح أنها تعمل على تجاوز مثل هذه المشكلات من خلال الحرص على المساواة بين الأولاد.

وتؤكد "و.ر" أن الأسرة الكبيرة تمثل بالنسبة لها الدفء والحب والرضا، وأن ثمة هدف تحيا من أجله في هذا العالم، بل إنها تمني نفسها بأن هؤلاء الإخوة سيكونون العون والسند لها ولزوجها الحالي عندما يبلغان من الكبر عتيا، وسيردون الجميل في أزهى صوره.

تعليق عبر الفيس بوك