أراضي الدولة.. والحيازات غير القانونية

إضاءة

مسعود الحمداني

لعلّ الحكومة تأخرت كثيرًا في معالجة أوضاع الأراضي الفضاء التي استولى عليها مواطنون بحسن أو سوء نية، حتى كثرت هذه (الظاهرة) وتفاقمت، وتداخلت الأمور فيها، وأخذ كثيرون حصّتهم من أراضٍ شاسعة لا يملكونها، ولكنّهم تملكوها بـ (وضع اليد)، وشهادة بعض أعضاء لجان شؤون الأراضي ـ سابقا ـ وبطرق تحايلٍ مختلفة وصل بعضها إلى التزوير، وشهادات الزور، وافتعال النزاع ـ المتفق عليه ـ بين الأفراد على الأرض، ومن ثم إصدار المحاكم حكمها لصالح أحدهما، وبعد ذلك يتم اقتسام الكعكة بين (المتنازعين)..

ومن خلال هذه الوسائل وغيرها، استولى بعض المواطنين على آلاف الأمتار من الأراضي الفضاء، وآلاف الأفدنة الزراعية، التي لا أصل لهم فيها، ولا فصل، وما زال آخرون حتى اليوم يحاولون إثبات ملكيّاتهم لأراضٍ هم يعلمون يقينا أنّهم (حازوا) عليها بليلٍ دامس، دون وجه حق، فكم من مزرعة لم تكن قائمة البارحة، فإذا هي تصبح مزروعة بالكامل بالنخيل في اليوم التالي، ليدّعي أصحابها أنّها قائمة منذ زمن، وأحيانًا يتم هذا الأمر بالتواطؤ مع أفراد آخرين..

وفي ظل هذه الفوضى قام مالكو الإبل بتسوير أراض شاسعة في (السيوح)، وادعّوا أنّها ملك لهم، أو أنهّم (استحدثوها) لمصلحة إبلهم، والحفاظ عليها، وبهذه الطريقة قامت ممالك مترامية الأطراف تحت هذه الحجة المبتكرة، والمشكلة أنّ هؤلاء المالكين أقنعوا أنفسهم بمرور الوقت أنّ هذه الأراضي أصبحت جزءًا من ممتلكاتهم، وتناسوا أنّ الأصل لم يكن قانونيًا، ولا صحيحًا، ولكن غض الطرف من قبل الحكومة لهذه الفترات الطويلة ولّد لديهم هذا الشعور بأنّ (المال العام حق للعوّام)!!.

فخلقت هذه الحالة غير المستقرة، وغير القانونية حالة من الفوضى، وامتلأت المحاكم بالقضايا التي يتحمّل المواطن فيها الجزء الأساسي، وتتحمّل الحكومة جزءًا من المسؤولية بسبب تباطؤها في حل المشكلة، و(تمليك من لا يستحق ما لا يملك)، حيث ضاعت حقوق الدولة في أراضيها، ورغم أنّ وزارة الإسكان يقع عليها ضغط كبير خاصة بعد إلغاء لجان شؤون الأراضي، وإنشاء دوائر إثبات المُلك، والتي تحاول وبصعوبة شديدة فك الاشتباك بين ما هو حق للمواطن، وحق للدولة، إلا أنّ ذلك سيولّد مشاكل أخرى، ولن يكون من السهل التغلّب على كل المشاكل التي تضخمت بمرور السنين..

وبينما تقوم وزارة البلديات الإقليميّة والبيئة بعملها في إزالة الحيازات غير القانونية، إلا أنّ هذا العمل كان يجب أن يكون منذ وقت طويل، وعليها يقع جزء كبير من هذه المسؤولية التي أوصلت الحال إلى ما هو عليه، حيث كانت هذه الحيازات تقوم تحت أعينها دون أن تستخدم سلطتها في الإزالات أولا بأول، والذي بات يشكّل حاليًا ضغطًا كبيرًا على عملها، حيث تتسارع عمليات الإزالة في كل مكان..

إنّ المرسوم السلطاني رقم (56/2014) الخاص بالتعديلات على بعض أحكام قانون الأراضي كان حازما، وواضحا، ومنظما لهذه المسألة، حيث نص التعديل على الفقرة الأخيرة من المادة السابعة على (..وتلتزم البلديات المختصة فورا بمنع حيازة أراضي الدولة بغير سند ملكية، وبإزالة التعرض لها أو التعدي عليها على نفقة المخالف، ولها الاستعانة بشرطة عمان السلطانية في تنفيذ ذلك)، كما نصت المادة 16 مكرر على أنه (على المواطنين أن يتقدموا بطلبات إثبات وتسجيل الملك إلى الوزارة (وزارة الإسكان) في موعد أقصاه الحادي والثلاثون من ديسمبر ٢٠١٥م، ولا تقبل الطلبات التي تقدم بعد مضي هذا التاريخ إلا في المباني القديمة، والأموال الخضراء التي تسقى من الأفلاج، والأموال التي تسقى من آبار بها شهادة حصر وتسجيل، ويعود تاريخ هذه الأموال إلى ما قبل الأول من يناير ١٩٧٠م، وفي جميع الأحوال لا تقبل الطلبات التي تقدم في الأراضي البيضاء)، كما نصّت نفس المادة مكررعلى أن (تبت الوزارة في الطلبات المقدمة إليها، وعليها أن تثبت بكل الطرق صحة الادعاءات، ولا تقبل بشأنها إلا الصكوك الأصلية، ولها الانتقال إلى الأراضي ومعاينتها على الطبيعة والاستعانة بمن تراه مناسبا، وعلى الوزارة رفع التوصيات إلى الوزير أو من يفوضه لاتخاذ القرار بشأنها خلال تسعين يوما من تاريخ صدورها، ويعتبر مضيّ هذه المدة دون الرد على أصحاب الطلبات رفضا لها، ويجوز التظلم للوزير أو من يفوّضه خلال ستين يومًا من صدور القرار أو عدم الرد)، ونصت المادة 23 مكرر على أنّه (..لا يجوز للجهات القضائية وغيرها النظر في دعاوى إثبات وتسجيل المُلك في الأراضي البيضاء، أو لمن لا يحمل صكًا شرعيًا أصليًا صادرا قبل الأول من يناير ١٩٧٠ م.)، وحددت المادة 28 من المرسوم العقوبات في أنّ (كل من يسعى إلى امتلاك أو شراء أو استئجار أو حيازة أرض تخضع لأحكام هذا القانون أو يصل إلى ذلك فعلا أو يساعد في حصوله، مستعينا بشهادة كاذبة أو أي وثيقة مزورة أو أي وسيلة غير مشروعة، يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد على ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسمائة ريال عماني، ولا تزيد على عشرة آلاف ريال عماني، وذلك مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر، كما يسقط حقه فيما يسعى إليه، أو حصل عليه بحكم القانون وعلى الوزارة (الإسكان) أو البلديات المختصة إبلاغ الادعاء العام لمباشرة إجراءات الدعوى الجزائية).

لقد آن الأوان لتطبيق قانون الحيازات الجائرة بصرامة، لأنّ المعادلة غير عادلة، ففي الوقت الذي تشح فيه الأراضي، وتبحث فيه وزارة الإسكان عن استحداث مخططات جديدة، ويحلم فيه المواطن البسيط بقطعة أرض لا تزيد مساحتها عن ستمائة متر لبناء مسكن لأسرته، تجد في المقابل أشخاصًا آخرين ضربوا بالقوانين عرض الحائط، واستولوا دون وجه حق على آلاف الأمتار التي تعود ملكيتها للدولة، وهم ما زالوا يقاتلون من أجل إثبات ملكيّة ما لا يملكونه.

Samawat2004@live.com

تعليق عبر الفيس بوك