"ولائم المناسبات".. الإسراف "طبقاً" على موائد الضيافة

مواطنون ينتقدون مظاهر البذخ.. ومطالب بفعاليات لرفع الوعي بسلبيات الظاهرة

< الشندودي: مصاريفها هاجس يؤرق المقبلين على الزواج

< المنظري: البعض يلجأ للاستدانة من أجل إرضاء المدعوين

< اليحيائية: سلوك دخيل على المجتمع العماني وينافي سمت "الاعتدال"

< الغافري: آن الأوان للنظر في بعض العادات بما يتفق وصحيح الدين

< البلوشي: نظرة المجتمع والتباهي.. يوقعان البعض في فخ التبذير

طالب مواطنون بضرورة رفع مستوى الوعي المجتمعي عبر تنظيم المزيد من الندوات والفعاليات التوعوية بالسلبيات الاجتماعية التي تترتَّب على البذخ "غير المبرَّر" في إقامة الولائم والعزائم.. واعتبروا ذلك نوعًا من الإسراف المنهي عنه دينًا، والمخالف للفطرة العُمانية التي تأنف المبالغات، وتميل دوما إلى الاعتدال.. وقالوا إنَّ من شكر نِعَم الله على العبد عدم التبذير في استهلاك تلك النعم، مستدلين بقوله تعالي: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا".

وقال سالم بن عبدالله المنظري: إن ظاهرة الإسراف في تقديم الولائم -سواء في الأعراس أو العزاء- يُعتبر بدعة دخيلة علی المجتمع العُماني، ناهيك عمَّا يشكله من عِبء علی أصحاب تلك المناسبات.. وأضاف: إذا ما تطرقنا إلي وجود أهمية لتلك الولائم من عدمه، فسنجد أنها لا تقدم ولا تأخِّر شيئا، بل علی العكس فإنها تسبِّب في بعض الأحيان زيادة مصاريف وقد يلجأ البعض إلي الاستدانة من أجل الظهور بمظهر لائق أمام المجتمع.

عبري - ناصر العبري

وطالب المنظري بضرورة أن يتم توعية المجتمع بالآثار السلبية لهذه الولائم؛ عن طريق القيام بحملات توعوية من شيوخ ورشداء وأعيان البلاد والاستعانة بالعقلاء وكبار السن واستغلال المجالس للحديث وللحد من هذه الظاهرة. أما بالنسبة للعزاء، فطبيعة العمانيين أنهم أصحاب كرم والواجب عليهم يحتم تقديم غداء للمعزيين القادمين من مناطق بعيدة إذا ما تصادف وجودهم أثناء وقت الغداء، ولحل هذه المشكلة يجب أن يكون هناك قرار بتحديد وقت العزاء بأن يكون مثلا على فترتين: الأولي من بداية الصباح وحتى صلاة الظهر، وبهذا نترك لأصحاب العزاء فترة الظهيرة للراحة وعدم ارتباطه بتقديم وجبة الغداء ورفع الحرج عنهم. والثانية: من صلاة العصر وحتى المغرب لترك مجال للمعزيين المرتبطين بالدوامات الرسمية خلال فترة الصباح.

أما حمود بن سيف الشندودي رئيس فريق مواهب عمان، فيرى أنَّ الإسراف في الولائم والأعراس أصبح هاجسا يُؤرِّق الجميع من المقبلين على الزواج؛ حيث إنه مطالب بدفع مبالغ باهظة لعمل هذه الولائم، فضلا عن الإسراف المُبالَغ فيه، وهو أمر ينهى عنه ديننا الحنيف. أما في العزاء فهو شيء غير مقبول؛ وذلك لأنه يشغل أهل العزاء ويثقل كاهلهم، وفي رأيي أن هذه الولائم غير ضرورية وبالإمكان إيجاد حلول أخرى. وهنا يأتي دور الجلسات الحوارية مع الأهالي ومشاركة الرأي لإيجاد حلول تساهم في الحد من هذه الظاهرة.

من جانبها، قالت موزة بنت خالد اليحيائية: أذكر أن المديرية العامة للتنمية الاجتماعية ومكتب سعادة محافظ الظاهرة والمجلس البلدي في المحافظة أقاموا ندوة حول هذا الموضوع؛ حيث نُوقش من جميع النواحي الاجتماعية والدينية والآثار السلبية التي قد تحدث من أثر المبالغة في إقامة ولائم الأفراح أو الأتراح والتي يرى الأغلبية أن هناك مبالغة فيها وأن هناك كميات من الطعام تضيع هدرا إذا لا تجد من يأكلها أو يقوم بتوزيعها على من يحتاج إليها.. وتضيف: للأسف الشديد أصبح التباهي شائعا نظرا لحب المجاراة للدول المجاورة وأصبح الشباب يحملون أسرهم وأنفسهم تبعات تلك المجاراة في المظاهر. أما فيما يخص طعام العزاء فهو طعام يقصد به التخفيف على أهل الفقيدة؛ فنادرا ما يقوم صاحب العزاء بتحمل أي أعباء أو ديون نظرا لوجود الأهل والجيران المقتدرين والذين يقومون بتحمل ضيافة من يأتي من خارج الولاية أو من الأماكن البعيدة منها والذين يصادف تواجدهم في وقت الطعام. أما عن ضرورة هذه الولائم فتأتي من كونها عُرف وعادات وتقاليد نشأ عليها المجتمع العماني فهم يرون أن ما يقومون به لا يعد أن يكون تأصيلا لما تربى عليه أفراد المجتمع. فالسبلة هي مكان الضيافة والقائمين عليها هم من يجسدون معاني الكرم العماني.

عادات قديمة

سليمان بن سعيد بن خلفان الغافري يقول: إن المجتمع العماني مجتمع غني بالعادات والتقاليد القديمة التي ورثت منذ زمن الآباء الأجداد وهي بلاشك عادات عمانية أصيلة يجب المحافظة عليها وعلى الاستمرار من قبل الشباب.. ويضيف: العادات العمانية كثيرة معظمها نفتخر بها كعمانيين ونشجعها ونطبقها حتى تظل باقية للأجيال القادمة. أما القليل منها فيجب أن تختفي من مجتمعنا ومثالها عادات الإسراف في الولائم التي ما زالت باقية حتى الآن.. ففي العزاء نرى مشاهد البزخ التي تكاد تحول المناسبة لفرح، وبالرغم من ذلك إلا أن أهل المتوفي يتجنبوا مخالفة هذه العادة بسبب الضغط الذي سيواجهونه من آبائهم أو أكبرهم سنا في البلد أو الإحراج من الناس الذين سيتوافدون أثناء العزاء ويقيمون لهم هذه الولائم. فنتساءل: لماذا تستمر عادة الإسراف في ولائم العزاء والتي يتكبدها بعض الأهالي وخاصة أهل المتوفي والذي يخيم عليهم الحزن على فقيدهم. وأضاف: نأمل أن تختفي هذه العادة من مجتمعنا العماني عما قريب.

وقال محمود بن سعيد بن خلفان الغافري: عندما يصلنا خبر وفاة شخص ما لا نملك سوى أن نسارع لتقديم واجب العزاء، ولﻷخذ بيد أهل المتوفى، وتصبيرهم، والدعاء لهم بأن ينزل الله عليهم الصبر والسلوان. ولكن كثيرا ما نسمع عن العبء الذي يقع على كاهل أهل المتوفى من تقديم وجبات الغداء والعشاء وهذا ما نلاحظه في بعض مناطق السلطنة، حتى إنه يتم صرف مبالغ طائلة جدا خلال الأيام الثلاثة للعزاء مما يؤدي أحيانا لاستدانة مبالغ لتغطية هذه التكاليف.

وأضاف بقوله: اقتداءً بسُنة نبينا -عليه أفضل الصلاة والسلام- عندما علم بوفاة جعفر بن أبي طالب قال لأهله: "اصنعوا لأهل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم". هنا لم يقل في الحديث اصنعوا للناس والمعزين طعاما. وللأسف هذا ما نراه في مجتمعنا العماني الحالي.. وهناك فتوى عن سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة: تقديم التمر والقهوة والماء بغير زيادة... والله أعلم".

من جانبه، قال يوسف بن عوض البلوشي: نلحظ في الكثير من مناسباتنا أن الإسراف والتبذير عنوانان للكثير منها، وهذه من الأمور التي ينبغي أن ينتبه لها أفراد المجتمع، والقائمين بواجب الوعظ والإرشاد، مما يحدث في أفراحنا وأتراحنا من تبذير وإسراف، وإن من العجيب أن نجد في كثير من مجالس العزاء ما يقام من ولائم يفوق ما يحدث في الأعراس، فيتبادر إلى الذهن تساؤل: أهو ترح أم فرح؟! فوليمة العرس وإن بُولغ فيها فهي وجبة واحدة عادة ثم ينتهي الأمر وعادة ما يكون العريس وأهله قد استعدوا لها وجمعوا لها المال. أما العزاء فيتكبد أصحاب العزاء مصاريف مفاجئة لثلاث وجبات في اليوم قد تستمر لثلاثة أو أربعة أيام، مما قد يثقل كاهل تلك الأسرة، ويزيد عليهم إضافة عبء المشقة المالية، والأعجب من ذلك أنه ومن خلال السؤال اتضح أنَّ كثيرًا من الناس هم في ضيق من هذه العادات ويتمنون لو تنتهي. والبعض الآخر يوجد مُبررًا لتلك الولائم "بضرورة تقديم واجب الضيافة لمن يأتي للعزاء من أماكن بعيدة فمن المخجل أن نتركه يذهب دون أن نضيفه". ولعل الإجابة عن ذلك سهلة وبسيطة، فما نشاهده عادة أن من يتناول تلك الولائم هم من أقارب أصحاب العزاء ومعارفهم وجيرانهم الذين يبقون في مجلس العزاء حتى وقت الغداء أو العشاء، والحل هنا أن يذهب أولئك الأشخاص لمنازلهم في تلك الفترة؛ حيث إنَّ الواجب أن يقدم الطعام لأصحاب العزاء في منزلهم وليس بصورة ولائم الاحتفالات، أما بالنسبة للضيوف من الأماكن البعيدة فالقادم من مكان بعيد ينبغي أن يقدر الوقت الذي يصل فيه إلى العزاء بحيث لا يثقل كاهل صاحب العزاء بضيافته فالوضع والوقت لا يتناسب مع ذلك.

وأوضح: أما بالنسبة للأعراس وإن كانت وجبة واحدة فما نشاهده من كميات الطعام التي ترمى في القمامة بعد هذه المناسبات تبكي لها القلوب قبل العيون، مما يجعلنا في خوف من أن يصيبنا عقاب من الله على هذا التبذير؛ فالتبذير صفة مكروهة لا يتصف بها المسلم الراجي رحمة ربه، فكم من مجتمعات مبذرة بدَّل الله عليها الحال وانقلب حالها من الرخاء للبلاء والشقاء. وأخيراً نتمنى أن يكون هنالك حراك من مكاتب الولاة والمجالس البلدية وشيوخ القبائل لوضع قوانين تنظم مثل هذه الممارسات، والعادات غير المحمودة ليتخلص منها المجتمع، كأن تحدد فترة صباحية للعزاء ثم فترة راحة لأصحاب العزاء بعد صلاة الظهر وفترة مسائية بعد صلاة العصر إلى قبيل المغرب، وكذلك التشجيع على الأعراس الجماعية بحيث تدار بطريقة حكيمة يبتعد فيها عن الإسراف والتبذير.

وقال إسماعيل بن سيف الشملي: كثيرا ما نرى اليوم في مجتمعنا خلال ولائم الحفلات والمناسبات العامة والخاصة كميات كبيرة من الأطعمة الفائضة والتي يكون مصيرها في الأغلب وللأسف الشديد في صناديق القمامة. لقد نهانا ديننا الحنيف عن الإسراف والتبذير لما له من آثار في هدر الأموال وعدم احترام النعمة وكذلك أمرنا بالاعتدال والتقسيط، ونظرا لأنَّ معظم ولائم المناسبات العامة تقام في المجالس الأهلية، فإني أرى أن تلعب المجالس الأهلية دورا مهما في الجانب التوعوي والإرشادي للحد من ظاهرة الإسراف والتبذير في الولائم من خلال عمل المحاضرات عن الآثار السلبية المترتبة عن هذه الظاهرة وكذلك تقديم والنصح والإرشاد للأفراد والجماعات.

من جانبه، قال حميد بن مسعود الشملي عضو المجلس البلدي ممثل ولاية عبري: ارتبط إعداد الولائم في مختلف المناسبات سابقا بعادة الكرم.. فالإنسان العماني اتصف بعديد من العادات أبرزها إكرام الضيف. ومع تطور الزمان أصبح البعض يبالغ في إعداد الولائم في اﻷغراس معتبرا ذلك نوعا من الكرم، إلا أنَّ ذلك يننافي مع مبدأ مهم من مبادئ ديننا الحنيف فاﻹسراف منهي عنه مصداقا لقوله تعالى: "وكلوا وأشربوا ولا تسرفوا". وتابع: باعتقادي يجب تعزيز التوعية لمختلف شرائح المجتمع عن تجنب اﻹسراف في الولائم، وأنه عادة ذميمة عن طريق المجالس اﻷهلية المنتشرة في كل بلدة وحي بإرجاء السلطنة.

وأضاف بقوله: إن إعداد الولائم خلال أيام العزاء موضوع شائك ومتداخل بين الدين الذي يحرم هذه العادة وبين العرف الاجتماعي؛ فالبعض يقول إنَّ أشخاصا قد يأتون إليه للتعزية من أماكن بعيدة فمن غير المقبول أن يذهبوا بدون غداء أو عشاء، وباعتقادي أن الحل يكمن في إصدار تشريع حكومي ينظم مواقيت العزاء والمسموح تقديمه خلال العزاء.. أما بالنسبة للمجلس البلدي بمحافظة الظاهرة فأذكر أنه أقام ندوة الممارسات المجتمعية الخاطئة في أثناء المناسبات، تطرقت لهذا الموضوع ومحاولة الحد من هذه الظاهرة، ولكن الحل كما ذكرت سابقا يكمن في قيام الجهات المختصة بإصدار التشريعات المنظمة لذلك.

تعليق عبر الفيس بوك