شباب على كرسي الإعاقة بأمر "الجنونية"

فقد قدرته على العمل وحمّل زوجته فوق طاقتها في لحظة من الإهمال على الطريق

 

رصد التجربة - مدرين المكتومية

 

يبلغ "خ.س" من العمر 34 عاما، وكان يحب السفر والسياحة والتجول، لديه الكثير من الأصدقاء، طويل القامة ونحيل البنية، يحب ممارسة رياضة الجري، وهو مهووس بقيادة السيارات بسرعة فائقة، ويحب الأماكن التي تخلو من الناس ليستطيع أن يقود كيفما يشاء، كما يحب أن يسافر بالسيارة لمسافات طويلة رغبة منه بقيادة السيارة بمزاجية عالية كما يقول.

تزوج وعمره 26 ولديه ثلاث أطفال، وذلك بعد علاقة حب استمرت لسنتين، حتى كانت مأساة زوجته كما يقول: إنّها لا تحب تهوره في قيادة السيارة، ودائما ما تكون مشاكلهم بسبب السرعة، ودائما ما يخبرها قصة أحد أصدقائه الذي تعرض لحادث مروع، والذي وافته المنية وغيرها من القصص التي تجعلها ترفض فكرة قيادته للسيارات بتهور.

ويضيف: ذات يوم وقبل أن أخرج من المنزل اتصلت بي زوجتي لتخبرني بأنّها ستذهب لزيارة عائلتها هي والأطفال، وتوصيني بعدم الذهاب للشباب لممارسة هوايتنا المفضلة وهي القيادة والمغامرة، وما كان مني إلا أن وافقت لأني كنت أريد أن أغلق الهاتف بسرعة لأخبر أصدقائي أنني أملك وقتا لنذهب إلى طريق صور لنقود بسرعة فالشارع دائمًا يمتاز بقلة مرتاديه، وذهبنا بثلاث سيارات كل منا يقود بسرعة فائقة دون أن يدرك ما الذي قد يصادفه، ونتجاوز بعضنا البعض حتى فوجئ صاحبي بشاحنة على الطريق وهو يتجاوز صديقي الآخر ولم يستطع الصديق أن يقلل السرعة ليدخل بيننا، ولأنّي لم أكن منتبه كثيرًا لما قد يحصل، تعرضنا جميعا لحادث لا أذكر خلاله أي شيء في تلك اللحظة، ووجدت نفسي في المستشفى في وضع حرج وحولي زوجتي تبكي ولا أدري ما الذي حلّ بباقي الأصدقاء معي، وبقيت بالمستشفى نحو ثلاثة أشهر، وعملت أن اثنين من أصدقائي توفيا وأحدهم لازال في غيبوبة، وأنا مقعد للأبد، وكانت صدمة كبيرة أن أجد كل من حولي ينظرون إليّ بنظرة الشفقة والأمل في تغيير الواقع، وكان في داخلي الكثير من الكلام الذي أود أن أقوله لزوجتي ولكني كنت أخجل.

ويواصل خ.س حديثه مشيرا إلى اعتذاره لزوجته ورد فعلها: كانت ترفض الاعتذار باكية وتعاتبني: ألم أطلب منك أن تبقى بالمنزل، ألم انبهك إلى خطورة هذه العادة؟ ألم أطلب منك أن تحافظ على مستقبلك ومستقبلنا، أنظر إلى نفسك الآن، انظر إلى حالتك ووضعك الصحي الذي ستكون فيه إلى الأبد، وأنا سأظل زوجتك لأخدمك طوال حياتي دون أن أشعر بالسعادة. وكان كلامها كالسكاكين داخلي لكني كنت أقدر ما هي عليه، وكنت مؤمنا أنها تحبني لذلك هي حزينة وقلقة لما أنا عليه، ومن حقها أن تعاتبني لأنها كانت تعتقد أنني سأكون لها دائما وقريبا منها وأحافظ عليها هي وأبنائي. وبعد أن خرجت من المستشفى شعرت بما يعني أن تكون مقعدا للأبد، شعرت بما يعنيه أن أفقد القدرة على أن أذهب إلى دورة المياه إلا بمساعدة أحدهم، وأكون غير قادر على ممارسة حياتي الطبيعية، كل شيء يحتاج لمساعدة ويحتاج لمن يقوم بتقديم العون لي، وحرمت متعة اللعب مع أبنائي، وشعرت بالحرج من كل من هم حولي، وأولهم زوجتي التي تسعى لأن تكون معي أولا بأول دون أن أحتاج إلى أحد، ومع الوقت بدأت عائلة زوجتي بالتذمر من كونها غير قادرة على ترك المنزل لأجلي وزيارتهم أو السفر لأي مكان، أصبحت عالة وغير قادر على تقديم المساعدة، كان ينتابني شعور بأنني لو مت في ذلك الحادث المشؤوم كان أفضل من أن أعيش بهذا الوضع، والكثير من المشاعر الحزينة تسكنني واحتاج لأن أموت أو أن أترك كل شيء لأجل سعادة زوجتي وأبنائي.

ويواصل "خ.س": بعد فترة، بدأت زوجتي تخبرني بأنها غير قادرة على تحمل الأمر وترى أن نعيش مع عائلتي في منزلنا، وأخبرتها بموافقتي كونها بحثت عن وظيفة لتعول أبنائي وتستطيع أن تسعدهم، وبدأت تغيب عن المنزل لفترة طويلة، لداعي العمل، حتى اكتشفت بعد فترة أنّها تعمل بعد الوظيفة في صالون تجميل لتوفر لنا المال والسعادة، وكنت أرى في عينيها الحزن والتعب والألم، كانت تخبئ الكثير داخلها، حتى جلست معها وتحدثنا لفترة طويلة، وأكدت لي أن المشكلة الحقيقية تكمن في عائلتها التي تضغط عليها لكي تطلب الطلاق منّي، وكانت ترفض فأخبرتني أنها تحتاج لأن تعيش بعيدا عن الجميع لذلك هي تقضي وقت طويل في العمل، لتوفر للأبناء السعادة ولتكون بعيدة عن أحاديث العائلة.

ويضيف "خ.س": اضطررنا للانتقال لمنزل آخر وأحضرت عاملة لتقوم بأعمال المنزل، وعامل ليخدمني ويوفر لي الراحة في غيابها، وشعرت بأنّها كانت تود أن تبعدنا عن أنظار الجميع حتى نعيش في هدوء، صحيح أنني أعيش في سعادة كون زوجتي مهتمة بي وبالأطفال، لكن في داخلي حزين لأنني حملتها فوق طاقتها وجعلتها تقوم بدوري ودور الممرضة ودور المربية لتضمن للبيت استقراره. وأدركت بعد فوات الأوان أننا في كثير من الأحيان لا ندرك حجم النعم التي نمتلكها إلا حين نفقدها، وها أنا اليوم أشعر متأخرًا بقيمة أن تكون بصحتك، وتتحرك وتذهب إلى حيث تريد وتحب دون أن تشعر أن هناك من يتألم ويشقى بسببك.

تعليق عبر الفيس بوك