سماء عيسى يحلّق بقصائده بين حضور الندوة العلمية في النادي الثقافي

الرؤية - محمد قنات

قال الشاعر سماء عيسى في الندوة العلمية التي نظمها النادي الثقافي بالاشتراك مع جامعة السلطان قابوس ممثلة في قسم اللغة العربية بكليّة الآداب والعلوم الاجتماعية أول أمس، إنّ كل شاعر هو نتاج تجربة مخزونة في ذاكرته الأولى وهي جذره وتربته وماء الروح الذي منه وعبره يحمل عشق الحديث بلغة الأنبياء والقديسين، لغة العشاق والحالمين وهي لغة الشعر، فالشعر طفولة الإنسان، والحدائق التي تنام بها الملائكة ويصغي إلى ندائه المبحرون إلى المجهول.

واستهل سماء عيسى قراءته للشعر بقصيدة جدار، وجاء فيها:

أيها الجدار الطيني المتهالك

لا تتضعضع فتتهدم

ثمَّة شجرة فاغية بالورد

تتكىء عليك

وانتقل سماء عيسى إلى قصيدة أخرى موضحًا أن اسم "امرى" يطلق على الناقة التي مات رضيعها ويتركون لها بعد موت الرضيع قطعة من جلده تشمها أثناء استخراج الحليب من ضرعها، والقصيدة مستقاة من الموروث الشعبي في جبال ظفار، وجاء فيها:

كما يتدفق الحليب من ضرعيك الحنونيين

تركت لك قطعة

من جلد ابنك الميت

أمرى

من خطف الراعية

وألبسها ثوب الجان

أمري

أرسلي حنينك الحزين

الراعية تصرخ وحيدة

في كهف مهجور

وقرأ سماء عيسى قصيدة سلوت، وتستفيد القصيدة من زيارة نبي الله سليمان بن داؤود عليهما السلام الأسطورية إلى سلوت التي يتصدر ذكرها كتب المؤرخين العمانيين، ويقول فيها

أكتب هذه الليلة

الليلة الأخيرة من العمر

المطر الأخير

زفاف الأرض إلى السماء

لم يعد هناك قصر لم يعد هناك نسر

لم يأتِ نبي السماء

هاتفاً: شائمي أيتها الريح والجان مطلقو سراح الماء

رحلوا عن الأرض

إلى كواكب أخرى

أكملت الأرض دورانها في الدروب

وها هي السماء تنزف الجفاف

الدم والغبار

توقفت سيول اليمانيين

توقف الرحيل

وعادت إلى أفيائها الخيول

وقال عبد الله حبيب عن علاقته بالشاعر سماء عيسى إن علاقتنا ممتدة، وعبر الزمن تشابهنا فى أشياء واختلفنا فى أخرى ولكم ان تتخيلوا الرعب الذي أعيشه عندما يعرض سماء عيسى علي بعض نصوصه حيث أكون بين خيارين أحلاهما مر خاصة وأن المسألة تتطلب إبداء الرأي بصراحة.

وقدَّم د. محمد زروق ورقة بعناون "عجائبية السرد"، وقال فيها إنّ لسماء عيسى فضاءات يصدر عنها في تشكيل عالمه الأدبي، وهي فضاءات تنسُج خطاباً متأصّل في واقع يوميّ مقلق، وواقعٍ تاريخي مؤرق. لذلك فهو لا يذهب إلى العبارة رأساً وإنما وسيلتُه الإشارة، يُلقيها، وعلى متلقّيها أن يكدّ الخاطر لبلوغ القصد المرجوّ.

وأوضح زروق من خلال ورقته البحثية عجيب السرد، الداخلِ بعضه في استثمار الأساطير الحافّة بنا والمعتقدات التي واجه بها الإنسان مالا يقدر على تفسيره، والداخل بعضه الآخر في النظر في الواقع المؤسّس لعجيبه الخاصّ. وقال إن الأسطورة عالم من العوالم الممكنة التي يلجأ إليها الكاتب، يجد فيها ملجأ للإشارة، ومأوى لتحمّل التعبير عن واقع قد يفوق في وقعه اليوميّ والتاريخيّ خياليّة الأسطورة. عالم الغيب، فضاء من الممكن الذي وسٍع رؤية الكاتب، ووجد فيه تفسيرا لأسئلة الوجود الحارقة.

وتطرق د. إسماعيل الكفري من جامعة نزوى فى ورقته الى توظيف الأسطورة في شعر سماء عيسى، وقال: ليس خافياً على المهتمين أن الأسطورة تشكّل اليوم أحد الينابيع الأساسية التي ينهل منها الشاعر العربي الكثير من أفكار قصائده ورموزها ومعالمها الفنية ، وهذا الاهتمام الكبير بالأسطورة يعود إلى دوافع منها ما هو ذاتي يتعلّق بالشاعر صاحب العلاقة ، ومنها ما هو موضوعي يتصل بالظروف العامة والسياق الأوسع ولربما يكون الوعي بأهمية تلك العلاقة التي تربط بين الشعر والأسطورة ، ويمكن اختصارها بعلاقة الفرع بالأصل ، هو أهم الأسباب الموضوعية التي دفعت بالشاعر العربي المعاصر إلى العودة إلى الأسطورة وتوظيف رموزها في قصائده. الأمر الذي أدّى بالنتيجة إلى ظهور الكثير من الكتابات النقدية التي تتحدّث عن تجربة هذا أو ذاك من الشعراء العرب المعاصرين مع الأسطورة ورموزها .

وذهب الكفري إلى أنّ تجربة الشاعر سماء عيسى في هذا المجال مازالت، وعلى الرغم من عمقها وكثافتها (وربمّا بسبب من هذا العمق واللامباشرة في استخدام الأسطورة) ، تنتظر من يحاول إضاءتها والكشف عن أبعادها الفنيّة. فهذا الشاعر واحد من أبرز الشعراء العمانيين المعاصرين، بل العرب، الذين لجؤوا إلى توظيف الأسطورة في أشعارهم توظيفاً فنياً. فالمتمعن في شعره سيكتشف أن الأسطورة تشكل، ولو بصورة غير مباشرة في أغلب الأحيان، ينبوعاً غزيراّ أخصب تجربته الإبداعية الى حد كبير. فالبعد الجمالي الأسطوري مخبوء ومتجذّر في أغلب قصائده، على الرغم من أنه قلما يشير صراحة إلى الأسطورة في النص.

وقدم مبارك الجابري ورقة بعنوان أسطرة الأرضي في شعر سماء عيسى، وناقشت الورقة الكيفية التي يصنع بها الخطاب الشعري لدى سماء عيسى أساطيره، مركزة على مبدأ التحاورية الذي ينتظم الخطاب في أسطرته للأرضي، كما تعرضت بشكل أساس للثيمات التي تنتظم كنسق قار في معظم شعر سماء عيسى، من زاوية كونها محاولة لبناء رؤية للعالم تتقوّم بالبنى المفهومية واللغوية في هذا الشعر.

تعليق عبر الفيس بوك